أضاء معرض إسطنبول للفن المعاصر «Contemporary Istanbul» شمعته العاشرة أخيراً، محققاً نجاحاً في جعل إسطنبول مركزاً رئيساً من مراكز الفن المعاصر في العالم. هذا المعرض الفني التجاري الأول من نوعه في المدينة والذي أُنشئ في العام 2005، ساهم في ازدهار الفنون المعاصرة محلياً، كما أسّس لشراكات مثمرة بين فنانين أتراك وهواة تجميع عالميين وغاليريات دولية، على رغم كل الصعاب التي واجهها في بلد لا يزال الفن فيه بدائياً يتيماً غير مدعوم من المؤسسات الحكومية. ومن تابع قضية عازف البيانو فاضل ساي وإقفال دار الأوبرا والباليه في إسطنبول بقرار من رئيس البلدية المنتمي إلى حزب العدالة والتمنية الإسلامي الذي فاز في الانتخابات أخيراً، يعرف جيداً ما قيمة نجاح عمل فني، بالتالي أهمية استمراره في ظل هذا الجوّ المعادي للفن والفنانين باعتبار أن غالبيتهم علمانيون ومعارضون وثوريون. لكن «إسطنبول المعاصر» لم يكن وحده الذي أعاد عاصمة العثمانيين إلى الخريطة الفنية وخصوصاً المعاصرة. فهناك «بيينالي إسطنبول» الذي أسسه بيرال مادرا في العام 1987 وهو الرائد في تحريك عجلة الفن المعاصر واستقدم فنانين مشهورين إلى تركيا وقيّمين دوليين مثل دان كاميرون ورينيه بلوك. ولا ننسى تأثير مؤسستي «Vehbi Koç Foundation» (أُسست في العام 1969) و «Arter» (أُسست في العام 2010) الشقيقتين وغير الحكوميتين، لتقديم بنية تحتية مستدامة لإنتاج الفن المعاصر وعرضه. ووسط غياب الدعم الحكومي للفن أو محاربة الفن كما يقول فنانون، تكاتفت هذه المؤسسات بمبادرات فردية غالبية قادتها من المثقفين الأثرياء، مثل علي غوريللي الذي يرأس مجلس إدارة «Contemporary Istanbul» والذي يعتبر من أهم الجامعين للأعمال الفنية. وهي هواية تسلّلت إليه في باريس حيث درس وتأثر بالجوّ الثقافي والفني. وغالبية هذه المؤسسات تتكاتف للارتقاء بالفن التركي الذي أُهمل عن سابق إصرار وتصميم، كما يرى بعض الفنانين الأتراك، خصوصاً في ظل حكم الإسلاميين. وهذا التكاتف يظهر، في أي مناسبة فنية، فنرى القيمين على هذه الأعمال موجودون جمعياً ليشجّع بعضهم بعضاً، وإن كانت بينهم غيرة أو تنافس. كونيلّيس الأعلى ثمناً قد يشعر زائر المعرض في دورته العاشرة بأن التنظيم وتوزيع الغاليريات وطريقة العرض تحتاج إلى مزيد من الخبرة. وقد يشعر بأن المعرض الذي زاره أكثر من 86 ألف شخص (رقم يضعه في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث عدد الزوار)، وشارك فيه 102 غاليري من 24 بلداً و790 فناناً، لا يزال برعماً لم يبلغ سنّ الرشد بعد. ومقارنة بمعارض تقام في الشرق الأوسط مثل «آرت دبي» و «آرت أبوظبي» و «آرت انترناشونال»، يفتقد «إسطنبول المعاصر» الدقة في انتقاء الأعمال المشاركة ونوعيتها العالية. فنجد مثلاً غاليريات عالمية مهمة ومعروفة إلى جانب أخرى صغيرة مغمورة، وهو ما يعكس نوعاً من التفلّت في اختيار الغاليريات والأعمال... بعد عشر سنوات لم يعد الخطأ مسموحاً خصوصاً في انتقاء الأعمال، لذا يجب أن تشدّد إدارة المعرض على تعيين لجنة متخصصة من فنانين وقيّمين عالميين لاختيار الغاليريات والأعمال. باتت السوق التركية اليوم، حافلة بالنشاط، وتشمل أكثر من 20 هاوي تجميع مرموقاً، ممن عملوا طوال عقود على تجميع الأعمال الفنية وتعقبوا مصالحهم الخاصة من خلال التجميع. وبالنظر إلى خارج هذه النخبة، نرى بضع مئات من المشترين أو هواة التجميع الشبّان الذين اعتادوا تفضيل الفن المعاصر التركي، ولكنهم باتوا أكثر حباً للمغامرة ويقتنون أعمالاً فنية عالمية. وبالتالي، هذا المكان الذي ينمو بسرعة وصار محطّ أنظار أصحاب الغاليريات وجامعي الأعمال الفنية والعاملين في قطاع الفن التشكيلي الذي بات يُدخل أرقاماً مهمة على الاقتصاد التركي، لم يعد بدائياً على صُعُد المبيع والتسويق والتشبيك. لذا الخطأ بات مغامرة كبيرة. ولكن، على رغم كل ذلك، استطاع «Contemporary Istanbul» أن يصل إلى مبلغ قياسي في المبيعات في الشرق الأوسط وهو 63 مليون يورو، ومبيع 64 في المئة من نسبة الأعمال المعروضة في هذه الدورة. إلا أن المتابعين لسوق الفن المعاصر كانوا يتوقعون بيع 70 إلى 80 في المئة من المعروضات، خصوصاً مع زيارة المعرض حوالى 600 هاوي تجميع من بلدان عدة. ولا ننسى أن المعرض نفسه وصلت نسبة مبيعاته العام الماضي إلى 72 في المئة من نسبة المعروضات التي قدمتها 190 غاليري (62 منها دولية). وفي نظرة سريعة على الأعمال المباعة، احتلت منحوتة «بلا عنوان» الضخمة لليوناني جانيس كونيلّيس (ولد في العام 1936) المرتبة الأولى من حيث الأعمال الأعلى ثمناً في المعرض. فقد بيعت المنحوتة التي عرضتها غاليري «Artist» بمليون و40 ألف يورو. تلاها عمل لرسام الغرافيتي البريطاني Banksy (1974) بيع ب 500 ألف جنيه استرليني من غاليري «Lazarides». أما لوحة «Homage to Titan» للفنان التركي Mehmet güleryüz (1938)، فبيعت من غاليري Marsyas ب 175 ألف يورو. فيما بيعت منحوتة «كايت موس» للبريطاني مارك كوين (1964) من غاليري Krampf ب 160 ألف دولار.