حمل رئيس الوزراء الروسي السابق يفغيني بريماكوف، قدميه الثمانينيتين المتعبتين بوضوحٍ إلى منصة «قاعة الأمير نايف» في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لإلقاء محاضرة حول «النظام العالمي الجديد»، على هامش فعاليات «مهرجان الجنادرية 25»، متحدثاً باللغة الروسية، بعدما خذلته العربية التي لطالما أجادها، وتحرّك في كواليس سياساتها. واستعرض بريماكوف في حديثه عن الدور الروسي المفترض في النظام العالمي الجديد، في استطراداته «عور» السياسة الأميركية، مقدماً رؤية روسية «ممتعضة» من تفرد الولاياتالمتحدة بالكلمة الأولى في شؤون العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. الصورة في حديث المفكر الروسي عن «النظام العالمي الجديد»، لا تكتمل من دون معرفة رؤية نظيره الأميركي، المفكر السياسي ووزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، خصوصاً أن عقداً من الزمان جمع الاثنين، للتشارك في رئاسة مجموعة العمل الأميركية – الروسية، لتقديم حلولٍ لقضايا الإرهاب العالمي، وانتشار التسلح النووي والتهديدات النووية. نظّر كيسنجر بعد تولي الرئيس الأميركي باراك أوباما منصبه، لمصلحة رؤيته بأن «على أوباما التحرك سريعاً، بمجرد دخوله البيت الأبيض، لتحويل الأزمات الاقتصادية والسياسية إلى فرصٍ لصنع النظام العالمي الجديد». ولم تغب رؤية كيسنجر عن حديث بريماكوف، إذ سلّط الضوء على الرؤية السياسية الروسية حيال أزمات الإرهاب العالمي، وانتشار التسلح النووي ونزاعات الشرق الأوسط. سياسياً، رفض بريماكوف ما سمّاها «أسطورة» انهيار القوة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مشيراً إلى استمرارية هذه القوة بدليل «احتفاظ روسيا بترسانتها النووية»، مؤكداً في الوقت ذاته أن «زمن الحديث عن القوة العظمى المُطلقة غير ممكن، بعكس ما جرى خلال الحرب الباردة، إذ كانت القوتان الأميركية والسوفياتية عظميين فعلاً، كماً ونوعاً». ولفت الى أن «الدول العظمى كانت تعتبر كذلك، نظراً إلى عدد الدول التابعة لها، والتي تمدها بما تحتاجه، وهذا ما لا يحصل الآن مع الولاياتالمتحدة، على رغم قدراتها العسكرية والتقنية والعلمية». ولام السياسة الأميركية التي «جعلت من إيران قوة إقليمية»، مشيراً إلى أن أميركا كانت «تحاول فرض نظرية الدولة العظمى الخاصة بها خلال عهد الرئيس (جورج) بوش الابن، من طريق التدخل بعيداً من حلفائها، وممارسة الإرهاب مع الدول التي تصفها بأنها إرهابية، والنتيجة ما حصل في العراق مثلاً، بزعزعة الاستقرار والمواجهة بين السنة والشيعة، وتقوية نفوذ (تنظيم) القاعدة في العراق، وأخيراً الخلل في التوازن الإقليمي». ونفى بريماكوف أن تكون روسيا أو الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي، على اطلاع معلوماتي كامل بنيّة طهران امتلاك سلاح نووي، مستدركاً أن «إيران تعمل حالياً، على برنامج يسمح لها بامتلاك هذا السلاح في وقت تراه مناسباً لها، وهذا ما لا تريده روسيا ودول الخليج، ولا أي دولة في العالم، وعليه فالعمل يجرى الآن على تسوية هذا الموضوع، وفتح حوار مع إيران». وتطرّق الى محاولات أوباما تحسين العلاقات الأميركية - الروسية، لافتاً الى أن «روسيا لا تزال تعتبر أن التغيّر ليس كاملاً من الجهة الأميركية، على رغم طموحها الى مواصلة تحسين العلاقات الثنائية»، ومستشهداً بسعي واشنطن الى إقامة الدرع الصاروخية «قرب روسيا»، لمواجهة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى بحسب الأميركيين. لكن بريماكوف يؤكد أن إيران «لا تملك هذا النوع من الصواريخ». ورفض القول بأن روسيا تتفادى انتقاد إسرائيل، مشيراً إلى موقف حصل بينه شخصياً وبين وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، إذ «اعترضتُ على الممارسات الإسرائيلية تجاه حركة حماس، على رغم أن الاستخبارات الإسرائيلية هي التي صنعت حماس، فما كان منها إلا أن رفعت صوتها عليّ، واتهمتني بعدم احترامها كونها امرأة». ودعم بريماكوف رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في المبادرة العربية، مشدداً على أهمية الدور السعودي في دعم عملية دفع حركة السلام وفق مبدأ «الأرض مقابل السلام».