يعتبر الإعلام الجديد تطوّراً طبيعيّاً لوسائل الإعلام العام التقليديّة. ويشمل النوع الجديد من الإعلام ما يعرف بالشبكات الاجتماعيّة للتواصل الرقمي. وفي ملامح كثيرة، تتشابه شبكات التواصل الاجتماعي مع ألعاب الفيديو التي تمارس في بصورة جماعيّة عبر الشبكات، وتعرف باسم «أون لاين غايمز» Online Games، نظراً لانخراط مجموعات كبيرة في ممارسة اللعبة الواحدة، ما يصنع نوعاً من «التواصل» بينهم. ومن المستطاع أن تضاف إلى ذلك، المواقع الإلكترونيّة التي تروج لأفكار دعائيّة معينة. واجتذب التوجّه الجديد في وسائل الاتّصال الجماهيري شرائح الشباب، سواء في الدول المتقدّمة أو المتخلفة والآخذة في النمو، مع التذكير بأن الدول العربيّة تندرج ضمن الفئة الأخيرة. وفي الواقع الصلب للعالم العربي، أنه ما زال في مرحلة من التخلّف السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع وجود تفاوتات في الابتعاد عن تلك النقطة. إرث «البطل الخارق» بطريقة ما، يبدو أن هناك من يستفيد من حال التخلّف العربي ليفرض صوراً افتراضيّة في مخيّلات الأجيال العربيّة الشابة، خصوصاً صيغة «البطل الخارق» أو «صاحب الأداء الأسطوري»، عبر الإعلام الجديد الذي يمتلك أدوات تسهّل صياغة الأشكال الأسطوريّة الطابع. وكانت الولاياتالمتحدة في طليعة الدول التي استغلت الميديا الرقميّة في الترويج لصورة «البطل الأميركي» الذي يتميز بالقوة الخارقة والعقل الجبار والشخصية الإنسانيّة، وهي صورة طالما روّجتها في وسائط الإعلام التقليديّة كالسينما والمجلات المصوّرة والتلفزيون وغيرها. وفي الذاكرة أن السينما الأميركية ركّزت على نشر تلك الصورة في المخيّلات الشابة، طوال الحرب الباردة حتى سقوط المعسكر الشيوعي وانتهاء عصر القطبية الثنائية في العلاقات الدولية، وصولاً إلى مرحلة سيطرة القطب الواحد وتفشي ظاهرة الإرهاب الدولي. من المستطاع استعادة فيلم «سقوط الصقر الأسود»، بوصفه مثالاً معبّراً عن تلك الحال. إذ صوّر الفيلم قصة التدخل الأميركي في الصومال، مركّزاً على تجسيد الشخصية الأميركيّة الأسطوريّة في صورة الجندي النموذجي الذي يجمع بين القوة البدنية والتفكير المتطور والاحتواء الإنساني. وتجلى ذلك في مشهد تسلل الجندي إلى منزل أحد الصوماليين، فيجد سيدة ومعها أطفالها، ويلوّح بيده لأحد هؤلاء الأطفال مع ابتسامة لها مغزى إنساني لا يخفى على أحد. ومن المستطاع تلمّس ذلك النمط من الترويج الأميركي لفكرة «البطل الخارق»، في وسائط الإعلام الجديد، خصوصاً الألعاب الإلكترونيّة التي تمارس عبر شبكة الانترنت. إذ نجد الألعاب الإلكترونية تنقل قصصاً عن مغامرات «البطل الأميركي» مستوحاة من إرث السينما. وتعطي الوسائط المتعدّدة (ملتي ميديا) القدرة على غرس صورة «البطل الأميركي» في مخيّلات الأجيال الشابة في مجموعة كبيرة من الدول. غزو الصين! تصلح اللعبة الإلكترونيّة الشهيرة «ميدان المعركة» Battle Field، نموذجاً لعقلية أميركيّة ميّالة إلى التوسع والغزو، مع تركيزها هذه المرّة على... الصين. ولا يصعب ربط ذلك مع صراع الولاياتالمتحدة اقتصاديّاً مع نجاح الصين في التحوّل عملاقاً اقتصاديّاً عالميّاً، بات ينافس نفوذ الدولة العظمى الأميركيّة، بل يهدد هيمنتها عالميّاً. وعبر الوسائط الاجتماعيّة، «تتسلّل» مشاهد الغزو الأميركي للمدن الصينيّة في لعبة «ميدان المعركة»، ما يمكن اعتباره محاولة للتأثير على عقول الشباب الصينيين. وتستفيد تلك الجهود الأميركيّة من مقولة «نظرية الإلحاح المستمر» التي تستثمر في تكرار الصور الذهنيّة لتتوصّل إلى زرع صورة «البطل الأميركي الخارق» وترسيخها في المخيّلات. ولأن تلك اللعبة تمارس في صورة معولمة، تصل خيالاتها إلى الشباب العربي أيضاً. ومن وجهة نظر التحليل النفسي والاجتماعي، يحمل ذلك النوع من التأثير المتعمد مخاطر جمة، من بينها زرع نوع من النفور بين الشباب وواقعه المعاش فعليّاً، وانتشار الإفراط في الانغماس في واقع افتراضي محوره البطل الأسطوري القادم من أميركا. ألا يبدو ذلك منسجماً مع الميل المتصاعد لدى الأجيال الشابة العربيّة للهجرة إلى «العالم الموعود» في أميركا وكندا واستراليا وأوروبا، لعله يلتقي هناك البطل الأسطوري الذي تعايش معه إلكترونيّاً لفترات طويلة؟ يصلح الربط بين «الهجرة» الإلكترونيّة والطوابير من شباب العرب المصطفة أمام أبواب السفارات الغربيّة، مدخلاً لإثارة السؤال عن كيفية مقاربة تلك المشكلة. وربما يكمن جانباً من الحل في تعميق الشعور بالانتماء، واعتبار أن الوطن ليس مجرد مكان للسكنى، بل يمثّل قيمة إنسانية تتجلى في الشعور بالمواطنة. وكي لا يكون الأمر تكراراً لكليشيهات خشبيّة عن حب الوطن، يجدر القول إن المواطنة تغرس في النفوس منذ الصغر عبر إبراز حاجة الإنسان للوطن، وكذلك تقليل العوامل التي تقود الشعور بغربة الإنسان في وطنه. وتشمل القائمة الطويلة لتلك العوامل، الإحباط المستمر والمشكلات الناجمة عن البطالة وتضاؤل فرص العمل، مع ما يرافق ذلك من تردي في حال الشباب اقتصادياً واجتماعيّاً. ويساهم ذلك المسار في عملية هروب إلى أحضان البدائل الوهميّة التي لا تبدأ بإدمان المخدرات ولا تنتهي عند الاستغراق في العوالم الافتراضيّة للشبكات الرقميّة المعولمة التي تحمل أحلاماً تتصدّرها أسطورة البطل الأميركي!