أخضر 23 لنهائي الخليج    السعودية تدشن أول مركز ابتكار للسيارات الكهربائية في الشرق الأوسط    رئيس بلدية صبيا يواصل المتابعة الميدانية لسير العمل في مشروع الكوبري    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10588) نقطة    السجل العقاري يدعو الملاك لاستكمال التسجيل قبل 19 مارس 2026    الجبير يستقبل الأمين العام للأونكتاد    فيصل بن مشعل يرعى توقيع مذكرة تفاهم لتمكين نزلاء السجون مهنيًا    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يشارك في المنتدى الحادي عشر لتحالف الأمم المتحدة للحضارات بالرياض    بين استلهام الموروث والتناغم مع تداعيات العصرنة    أول عملية ترميم لمجرى الدمع بالمنظار في تجمع الرياض الصحي الأول    إعفاء المدارس المتميزة من الاختبارات المركزية .. وتمكين الإدارات من التوسع في التطبيق    بدء المرحلة الثانية من مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات الفطرية بالمملكة    رينارد: أعرف ايجابيات وسلبيات منتخب الأردن    الملازم أول بندر بن ناجع آل عادي يدخل القفص الذهبي بالرياض    شقيق اللواء محمد أبو ثامرة في ذمة الله    قبل المواجهة المنتظرة.. حقائق تاريخية عن مواجهات المنتخب السعودي والأردني    أمير الرياض يستقبل رئيس المحكمة الجزائية المعين حديثًا بالمنطقة    أمير جازان يستقبل رئيس النيابة العامة بالمنطقة    إدارة الترجمة بوزارة الداخلية تعزز التواصل مع زوار معرض الداخلية بمهرجان الإبل    محافظ الأحساء يرعى منتدى "أفضل الممارسات في تصميم المساجد" بجامعة الملك فيصل    محافظ الأحساء يكرّم عددًا من ضباط وأفراد الشرطة لإنجازاتهم الأمنية    تجمع القصيم الصحي يحصد ثلاث جوائز وطنية في الرعاية الصحية المنزلية لعام 2025    فهد الطبية الأولى عالميًا خارج الولايات المتحدة كمركز تميّز دولي لعلاج الجلطات الرئوية (PERT)    السعودية تدين هجوما إرهابيا استهدف قوات أمن سورية وأمريكية قرب تدمر    استمرار هطول الأمطار.. والدفاع المدني يحذر    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب غرب إندونيسيا    البحري شريك استراتيجي لمبادرة ويف لدعم تعافي المحيطات والنمو البحري المستدام    مقتل 6 من قوات حفظ السلام البنغلاديشيين في هجوم على قاعدة للأمم المتحدة بالسودان    اختتام بطولة جازان الشاطئية لرياضة الإنقاذ والسلامة المائية    كورال المركز الوطني للفنون المسرحية في الصين تقدم عروضا في مركز إثراء بالسعودية    مقتل شخصين وإصابة ثمانية جراء إطلاق النار في جامعة براون في أمريكا    تعزيز الأمن الغذائي المستدام    حققت قفزة نوعية بمعدل 9 نقاط خلال عامين.. السعودية بالمرتبة ال10 بمؤشر التغطية الصحية الشاملة    ضبط 19.5 ألف مخالف    1145 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ    دعت لتبني سلوكيات التنزه.. البيئة: 3 آلاف ريال غرامة مخالفة التخييم دون تصريح    وسط حصيلة متزايدة لضحايا غزة.. استشهاد فلسطيني متأثرًا بجراحه في خان يونس    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة الأردن    برعاية خادم الحرمين.. أمير الرياض يحضر ختام العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    تنظيم الإعلام الرياضي وعقوبات على المتجاوزين ومثيري التعصب.. بعد الموافقة عليه.. تفاصيل مشروع نظام الرياضة الجديد    محمد سعد بطل«دياب»    أمسية شعرية وطنية في «جدة للكتاب»    فسح وتصنيف 40 محتوى سينمائياً    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    وسط انتقادات واشنطن لقرار أممي.. مؤتمر دولي لبحث إنشاء «قوة غزة»    جيش الاحتلال يستهدف القيادي في حماس رائد سعد    لحظة تأمُّل    تحسين الفئات الوظيفية ل3808 من منتسبي المساجد    «الأمر بالمعروف» تفعّل معرض «ولاء» بالطائف    دراسة: كلما زاد إقناع الذكاء الاصطناعي قلت دقته    ورحلت رفيقة دربي أُم تركي    المملكة توزع 1000 سلة غذائية في ولاية البحر الأحمر بالسودان    حقن التخسيس تدخل عالم القطط    رب اجعل هذا البلد آمنا    العزاب يغالطون أنفسهم    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    أمير الشرقية ونائبه يعزيان العتيبي في وفاة والده    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطوير المناهج الأزهرية ... بين تجارب التاريخ وملابسات الواقع
نشر في الحياة يوم 14 - 11 - 2015

لو قُدِرَ لإصلاح الأستاذ الإمام أن يؤتي ثماره في الأزهر الشريف، كما أراد له وتوخى؛ لكان بيننا الآن ألف محمد عبده في فروع العلم الدينية والدنيوية، ولكن، آه، من الجمود، وحسرةً من الانغلاق!
على أنني؛ إذا ما حرمت نعمة الالتحاق بالأزهر؛ فحنيني أزهري، وثقافتي أزهرية، ولكم أشربت حب الأزهر؛ نتيجة قراءاتي لأعلامه، وتلمذتي على مؤلفاتهم القيمة. كما أنني دائم الحضور للدروس الفلسفية، والكلامية في أروقته الشهيرة؛ تلك التي عادت من جديد، بعطرها الملائكي، إلا أن ما نرجوه أكبر من مجرد قراءة كتب التراث؛ إنه بث روح البحث، والانفتاح على مدارس الفكر الحديثة، إلى جانب القديمة، وليس الانكفاء على الذات؛ شرحاً، وتحشية، واختصاراً، وتلخيصاً لغذاء الأجداد العباقرة. فحركة اليوم، لا تتحمل الاعتزال، ولا الاستعلاء، ولا الادعاء باحتكار الحق والحقيقة، ووصم الآخر بالشبهة، والنظر إلى كل من يعمل عقله؛ على أنه متآمر، ومرتد. فها هو ذا محمد عبده؛ باسمه الضخم، وعقله العملاق؛ يوصَم من شيوخ عصره؛ بأشنع الأوصاف، وأقذعها؛ عندما صدح بينهم بدعوته إلى إصلاح الأزهر: مؤسسة، ومناهج، وطريقة في التفكير. وها هو ذا؛ تلميذه الشيخ المراغي؛ يحاول رتق ما انفتق من إصلاح محمد عبده، وغزل ما يستطيع؛ بطريقته الهادئة؛ فيواجه بسيل من الاتهامات، والعوائق. وها هو ذا تلميذه الشيخ مصطفى عبد الرازق؛ المتبحر في علوم الشرع، والناهل من مناهل الغرب؛ يستشعر ضرورة إصلاح الأزهر في عصره؛ فلم يستنكف، وهو الأزهري صليبة، وتنشئة؛ أن يصرخ بملء فيه قائلاً: «إنني نظرتُ في أمري بعد أن قضيتُ ما قضيتُ في الجامع الأزهر، وأضعتُ ما أضعتُ من صحتي وشبابي في طلب العلم؛ فلم أجد ثمناً؛ لما بذلت إلا حشداً من الصور، والخيالات لا يضئ البصيرة، ولا يبعث العزيمة، ولا يعد للسعادة في الحياة الدنيا، ولا في الآخرة» (من آثار مصطفى عبد الرازق). بل؛ زاد؛ فقال، وهو يرنو إلى تطوير أزهره الحبيب: «فدعوة الأستاذ الإمام، كما ترى دعوة عامة تتوجه إلى كل من بلغته الدعوة على أي وجه؛ فوعاها. ومدرسته كما ترى ليست مدرسة يحدها زمان، ولا مكان، ولا أشخاص، ولكنها مدرسة تتلاقى الأرواح فيها جنوداً مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (آثاره).
وها هو ذا فارس من فرسان إصلاح مناهج الأزهر المخلصين، وداعية من دعاة تطويره الميامين؛ يخصص لهذه القضية الشائكة سفراً؛ فيقول: «يا قومنا؛ إذا كنتم تريدون الإصلاح؛ فدعونا من الترقيع بين القديم والحديث؛ لأن الناس إنما يألفون أن يكون الثوب قديماً خالصاً، أو جديداً خالصاً... وقد أردنا الآن أن نتصل بالناس في جديدهم؛ فلنأخذ بهذا الجديد كله بينهم، كما أخذنا بقديمنا كله حين اعتزلناهم؛ لنألفهم ويألفونا في جديدنا، ولا يكون لهم أي مأخذ علينا» (تاريخ الإصلاح في الأزهر للشيخ عبد المتعال الصعيدي).
فهل كل هؤلاء العباقرة من الموتورين؟ ولماذا لم نستفد إذا من أطروحاتهم، وما قدموه من إصلاح جوهري؟
ولنا أن نستغرب؛ ما شاء الله لنا أن نستغرب، وأن نصاب بالهلع؛ بما لا يتصوره إنس، ولا جان؛ إذا كانت دعوة تطوير الأزهر، وتحديث مناهجه؛ بهذه الدعوات الطيبات المُلِحَة من أعلام الأزهر قبل قرن من الزمان، فما هو وضع الأزهر اليوم؟ وما مدى الحاجة الآن؛ لتطويره، وإنعاشه؟ فلا جرم؛ أن تطوير الأزهر، وتحديث برامجه التعليمية؛ باتا فرض عين على كل أزهري، وأزهرية في هذه الآونة، بل؛ هما أولى الأولويات اليوم أمام شيخه الجليل أحمد الطيب؛ عاشق الفلسفة، والمتوضئ بماء الحكمة، والصوفي الضليع، وهاضم تراث الأجداد، والناهل من السوربون. فإلى متى ننتظر؛ فإن لم تفعلها أنت يا شيخنا الهُمَام؛ فمن يفعلها إذن؟
واسمح لي يا فضيلة الإمام الأكبر؛ أن نعترف بأن هناك مشكلة في المناهج؛ أحدثت خللاً، واضطراباً في مستوى خريج الأزهر الذي بات لا يفقه شيئاً في القديم، ولا في الجديد، فأين اليوم؛ من يناظر الشعراوي في حكمته، وألمعيته؟ ومن يناظر الباقوري في انفتاحه، واطلاعه؟ ومن يناظر محمد الغزالي في شجاعته وأسلوبه؟ ومن لديه فرَاسة، وحِنكة، وتضلع عبد الخالق عضيمة؟ ومن لديه موسوعية عبد الله دراز؟ ومن لديه فقه شلتوت؟
يكفي؛ يا شيخنا الحبيب؛ أن تزور مسجداً نائياً؛ فتصلي فيه الجمعة؛ فستصاب بالألم؛ وأنت تستمع إلى خطبة لا علاقة لها بالقديم، ولا بالجديد، فاللغة العربية متروكة، والفقه غائب، والأسلوب أعوج، والحكمة ماتت. ويكفي؛ أن تزور - فضيلتكم - جامعة الأزهر فُجاءة؛ فستدرك أن المَلازم، والمذكرات، والحواشي؛ هي حديث الصباح والمساء بين الأساتذة والطلاب، وأن الحركة الموَّارة من التأليف والبحث خارج الأزهر؛ حيث جنة العلم والعلماء؛ لم يسمع بها أحد بين أساتذته.
لذلك؛ صرخ عبدالمتعال الصعيدي بقوله؛ قبل سبعين عاماً: «يا قومنا؛ لقد بلغ بنا الترقيع بين القديم والحديث حد الوقوع في التناقض بينهما؛ فندرس في القديم؛ ما يناقض الحديث، وندرس في الحديث ما يناقض القديم، كما ندرس في تاريخ الفلسفة على الأسلوب الحديث؛ أن الفلاسفة كانوا رجالاً من أصحاب الفكر الحر، ونعد هذا مفخرة لهم، فإذا تركنا الفلسفة إلى علم التوحيد من علومنا القديمة؛ درسنا فيه أن الفلاسفة كُفَّار، وحرَّمنا الاشتغال بفلسفتهم، وكما ندرس في تاريخ الأدب العربي على الأسلوب الحديث؛ أن كتابة التصنيف ابتدأت في الانحطاط من أوائل الحكم العثماني؛ فاخترع تأليف الحواشي والتقارير، وضعفت عباراتها، وازدادت تعقيداً وغموضاً، حتى إذا تركنا تاريخ الأدب العربي إلى علومنا القديمة؛ وجدناها لا تزال تدرس في هذه الكتب الغامضة المعقدة، ولا يمكن أن يوجد في الدنيا تعليم أسوأ؛ من تعليم يناقض بعضُه بعضاً، وقد آن لنا أن نتخلص من هذا الفساد؛ ليزول هذا الاضطراب، ويحل محله النظام والاستقرار».
فالأزهر نفسه؛ هو الذي أرجع للشيخ علي عبدالرازق مكانته العلمية داخل الأزهر مرةً أخرى، بعد مرور السنوات، وهدوء الجلبة، وانقشاع الغمة، وغلبة العقل على الضجيج. والأزهر عينه؛ هو الذي كتب بعد زهاء ثلاثة أرباع القرن عن إسلاميات طه حسين، ودفاعه عن الدين؛ بعد أن نزغ الشيطان بينهما من قبل (الأزهر وطه حسين) فأرجع له ريادته، ومكانته؛ بعد ذهاب العواصف الرعدية، والأنواء الصيفية. والأزهر فقط؛ هو من صحَّح حركته من تلقاء نفسه؛ فأسندَ رئاسة تحرير مجلة «الأزهر» لمفكرٍ كبيرٍ، ليس من الأزهر؛ إشادةً بعلمه، وتطويراً للمجلة، هو العلاّمة محمد فريد وجدي في الثلث الأول من القرن العشرين. والأزهر ذاته؛ هو الذي سمح لغير الأزهريين؛ بأن يترأسوا مجلته؛ طلباً لتطويرها، وإفادةً من علمهم وخبراتهم وموسوعيتهم؛ فقد رأس تحرير مجلة «الأزهر» العملاق عباس العقاد، ومن بعده الأديب الكبير أحمد حسن الزيات في خمسينات القرن الماضي. ويقدم الصعيدي «روشتته» الناجعة للإصلاح الحقيقي المنشود؛ لصانع القرار في هذه المؤسسة العريقة؛ فيقول: «فإما إصلاح الكتب؛ فيكون بأن نستبدل بكتبه ذات المتون، والشروح، والحواشي، والتقارير كتباً أخرى، لا تعنى بدراسة الألفاظ، وإنما تعنى بدراسة العلوم، ويكون أسلوبها مماثلاً للأسلوب العلمي الحديث؛ ليألف الطلاب دراستها. وأما إصلاح العلوم؛ فيكون بفتح باب الاجتهاد، والتجديد فيها، وكل علومنا في حاجة إلى فتح باب الاجتهاد والتجديد، ولا فرق بين العلوم الدينية، والعربية، والعقلية».
وقد تنبه ابن خلدون - الذي درس في الأزهر قبل ستة قرون - إلى خطر مثل هذا على العلم؛ فذكر السخاوي؛ أنه كان يتبع طريقة القدماء في التعليم؛ كالغزالي، وغيره من العلماء المتقدمين، وأنه كان يحط من الطريقة التي أحدثها العجم (الإيجي، والتفتازاني، والجرجاوي، والكافيجي) في مناهج الأزهر، وتغليبهم فلسفة الألفاظ، والحواشي، على فلسفة المضمون، وقراءة كتاب الكون، كما أرادها الغزالي، واعتمادهم على المشاحة اللفظية، كما يقول الصعيدي. ولكن؛ من أسف؛ فابن خلدون لم يجد من عصره، أو بعد عصره من يسمع له؛ لنسير نحن في الطريقة العقيمة، وتسير أوروبا في البحث الفلسفي الكوني؛ فنصل إلى التأخر الذي وصلنا إليه، وتصل هي إلى أجواز الفضاء، ولا حول، ولا قوة إلا بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.