مع غازي القصيبي - 4 أختتم هذه الحلقات عن الوزير الشاعر غازي القصيبي ببعض الإخوانيات التي تعكس ظرفه. كنت في مقهى في باريس مع ابني وهو صغير عندما دخل الإرهابي اسحق شامير محاطاً بحرسه الخاص، وقد بدا وكأنه «جدّو» مسنّ مسالم ممن يوجد في كل بيت. واقترحت على ابني أن يطلب منه توقيع بطاقة السفر ففعل، وكتبت عن الموضوع مع بعض العنتريات وأنا أقول: «هممت ولم أفعل وكدت وليتني/ تركت على شامير تبكي حلائله. في اليوم التالي أرسل اليّ الدكتور الشعر الساخر التالي: مزاحهم ما أبيخه/ رسائل مفخخة/ وسوف تأتي بعدها/ سوائل مزرنخة/ من عصبة لئيمة/ عقولها مزنخة/ فيا جهاد لا تخف/ من سالخ والمسلخة/ وكن شجاعاً باسلاً/ ما من عدو رضخه/ سل يراعاً باتراً/ إن مسّ رأساً شلخه/ واتركهم جسومهم/ بعارها ملطخة/ واذهب شهيداً للعلى/ نزفّه بفخفخة. ورددت على الدكتور: أيّ عُلى أشهده/ وحالتي ملخلخة/ وركبي سائبة/ والمشي في فرشخة/ وليس لي قضية/ يقتل لها أو ينتخى/ وإنما اجتهدت في طلاب عيش الفخفخة/ فلم يكن حظي سوى/ قنبلة ملعون أبو مرسلها/ ما كان ضرّ لو سخى/ بباقة من ورد أو/ بلحمة مسخسخة/ لكنه طابخ سم/ يأكل ما قد طبخه. كان ذلك سنة 1997، و «إم بي سي» اعتبرت الموضوع مهماً الى درجة أن بثت حلقة عنه. والدكتور غازي كان قبل ذلك بسنتين شكّك في روايتي لمحاولة سرقة تعرضت لها في أحد أهم شوارع لندن وهزمت فيها لصّين، أو على وجه الدقة هزمتهما ساعتي لأن رباطها لم ينقطع فعجزا عن سرقتها. وكتب اليّ الدكتور شعراً أختار منه: ما كنت أعلم يا ابن خازن ان في/ بُردَيك مقداما يصول ويركل/ يأتيك قطاع الطريق فتنبري/ لهم وتزأر كالأسود وتصهل/ مدّوا الى «الرولكس» كفاً أجرمت/ فمددت كفاً بالمِنية تهطل/ولديك بنت ب «الكراتي» غذيت/ تعدو على من يعتدي وتشنكل هرب البغاة وقد رأوك مكشراً/ حتى رجال الأمن كادت تجفل/ إني أظنك ياجهاد مفنّصاً/ والله يعلم والخلائق تجهل. وكتبت يوماً في هذه الزاوية أجوبة محتملة عن السؤال لماذا عبرت الدجاجة الطريق؟ واخترت بين الأجوبة، على لسان الدكتور غازي: هربت من شاعر حداثي. ولم يطل الوقت فقد أرسل اليّ الدكتور شعراً أختار منه: تطاردنا فيا ويل الطرائد/ دجاجات الحداثة في الجرائد/ تكاكي حين تهذي أو تقاقي/ وتحسب أن ضحيتها قصائد/ كلام فارغ غث سقيم/ ثقيل الظل معدوم العوائد/ وأقسم لو شعرت بما سيأتي/ لاودعت الحداثة قبر وائد ورددت بشعر «حلمنتيشي» كالعادة: هربت بفرختي من جور شعر/ الى شعرية تشدو الحناجر/ فشعر سائر في الناس حيّ/ وشعر حيث صارت عاد صائر/ وشعر ضم موسيقى المعاني/ وشعر ناشز وضعته عاقر/ وشعر يطرب السمار لحناً/ وشعر ملؤه كسر الخواطرْ بالمناسبة، الشعر السابق والذي قبله عن شامير أثار حماسة القراء، ونشرتُ بريداً كثيراً ضم بعض شعرهم، وبعثتُ برسائل خاصة الى قراء آخرين. بالمناسبة أيضاً، الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه كانت سنة 1990، والانتخابات سنة 1993 والحرب الأهلية سنة 1994، ونشرت «الحياة» قصيدة للدكتور غازي عنوانها «برقية عاجلة الى بلقيس» مطلعها: ألومَ صنعاء يا بلقيس أم عدنا/ أم أمة ضيّعت في أمسها يَزَنا ألوم صنعاء لو صنعاء تسمعني/ وساكني عدن لو أرهفت أذنا وكانت نتيجة القصيدة ان كل رسالة تلقيتها من اليمن كان شعراً، واستغربت وبحثت ودققت ووجدت أن البيان الرقم واحد في الانقلاب على الإمامة سنة 1962 صيغ شعراً. آخر ما عندي من مداعبات الشاعر السفير الوزير يعود الى سنة 2008، فقد كنت في الصخيرات، من أعمال المغرب، لحضور مؤتمر عن التعليم نظمته مؤسسة الفكر العربي، وطاردني شعر لأبي نواس هو: يا دير حنّة من ذات الاقيراح/ من يصحو عنك فاني لست بالصاحي وحاولت أن أقلب الوزن الى ذات الصخيرات، وأُرتجِ علي. وتلقيت من الدكتور التالي: يا دار حنة من ذات الصخيرات/ ذكرتني بليالي القديمات ذكرتني بمهاة كنت أعشقها/ وكنت أنظم فيها جل أبياتي صدت وقد أبصرت شيباً فواأسفا/ لا يصلح الشيب الا للقبيحات وفوق ذلك شيبي يرتدي صلعا/ أي المليحات تغويها بصلعات فيا صديقي مضى عهد انتصاراتي/ وجاء عهد انتكاساتي وآهاتي وأنذرتني بضغط الدم أوردتي/ وعاتبتني على الأوهام مرآتي وقلت رداً: غازي القلوب وتنظم الآهات/ أنظر طريقاً ملؤه عثراتي كنتِ يا دنيا العروس فكيف/ أصبحت في غفلة العمر حماتي كنتُ ليثاً تسجد السبع له/ فمتى حِلت الى سبع بناتي راياتي البيضاء تحكي نكستي/ راياتكم حمراء في الغزوات لا تشك من سقم ومن هرم/ وقل معي ما أعظم الآتي وأختتم بمداعبة لم أبدأها فسفير البحرين في حينه أخونا كريم الشكر أقام حفلة تكريم لرئيسة بلدية لندن لمناسبة انتهاء عملها ولم يدع صديقه السفير السعودي فأرسل الدكتور غازي اليه عبر «الحياة» شعراً منه: أتدعو الناس أجمعهم/ الى مأدبة العمدة/ وتتركني أنا وحدي/ صديقك لحظة الشدة/ ويا عجباً تجرجرني/ الى حفلاتك العِدّة/ فألقى ألف رجّال/ كأن وجوههم «خردة». ورد أخونا كريم بشعر مطلعه: حنانيك ومفيش لزوم للحدة/ شعرك أنا مش قده وأكملت أنا: أأدعوك وتنساني/ وتعتب بعد ده وده/ ويوماً تدّعي عملاً/ ويوماً تدّعي شدة/ ويوماً أنت في لندن/ ويوما أنت في جدة/ وتشكو وتتعشاني/ وحقي بك أتغدى. أدعو للدكتور غازي القصيبي بالشفاء، وله ولنا بطول البقاء. [email protected]