يتناقل أهالي منطقة المتن، شرق بيروت، باستغراب «خبرية» لم يألفوا سماعها سابقاً: «وليد يحضّر لمشروع نموذجي في المنطقة عبر إقامة مدافن... للحيوانات الأليفة». الذين يجهلون وليد يحق لهم أن يتعجّبوا، بل ويدهشوا، ولكن من يعايش الشاب الثلاثيني من قرب يفهم جيداً مغزى حماسته التي لا يجد بسهولة من يجاريه فيها». ولو قدّر ل «تشيب» ان يتكلّم لكان أبدَع في وصف علاقة وليد ب «أصدقائه» الحيوانات. يعيش الكلب «تشيب» في منزل عائلة وليد، وينال مقداراً كافياً من الرعاية التي تجعل أحياناً من رغباته «أوامر» لا تُرفض. كل العائلة تحب «تشيب»، إلا أن فقدان وليد «صديقه» السابق «سنُو»، ودفنه اضطراراً في مكان جبلي بعيد من الأحياء السكنية، دفع الشاب إلى أن يعوّض مصيبة الفراق بالتعلّق بكل ما يبدر عن صديقه الوفي الجديد «تشيب»، كل نظرة وحركة وايماءة وصوت. وأكثر ما يزعج الشاب هو الموعظة التي يسمعها كل يوم من أعضاء نادي «مهجّري الحيونات الأليفة من المنازل»، التي تغلّفها عبارات ساخرة كالدعوة إلى إنشاء ملاجئ متخصصة للحيوانات المشرّدة، أو تنظيم مباريات للجمال، وفتح محال تجارية لأكسسوارات التزيين... وتتملكه عصبية زائدة عندما يواجَه بمعادلة خاطئة مفادها بأن التعلق بالحيوانات «هو تعويض عن نقص عاطفي». ويُواجَه مشروع وليد النموذجي ب «محور ممانعة» ممن يعتبرون ان الرفق بالحيوان يلطّف المشاعر، ويهذّب النفوس ويعلّم الانسان احترام كل الكائنات، ولكن المبالغة في ذلك تدلّ الى عدم نضج جماعي، وبخاصة عندما يتبين ان كلفة الاعتناء بحيوان في المنزل يومياً تساوي كلفة تأمين مأوى لشخص مشرّد مدة نهار. والرأي الأكثر تشدداً يقوم على مفهوم «ليس من الانصاف معاملة الحيوانات كالبشر... والناس كالحيونات». يُحسِن الشاب الميسور المتحمس لتنفيذ مشروعه فن الإصغاء، من دون ان يترك للآراء العابرة فرصة أن تنغّص عليه حلمه. ولا ينفي وليد الجانب التجاري للمشروع، لكن حقوق الحيوان هي الأساس. حالياً، هو يفتش عن قطعة أرض مناسبة لتنفيذ المشروع. أما الزبائن فكثيرون منهم من بين اصدقائه الذين يشاركونه حب تربية الحيوانات الأليفة وتعزيز قيمتها في المجتمع. في السنوات الأخيرة، ازداد اهتمام اللبنانيين باقتناء الحيوانات الأليفة، خصوصاً الكلاب والقطط والسلاحف والطيور... وباتت هواية يتساوى فيها الفقراء والأغنياء، مع فارق «البرستيج» (الامتياز) الذي تناله الحيوانات التي تعيش في كنف الطبقات الراقية. ومع ذلك، بقيت سوق الحيوانات الأليفة فوضوية بامتياز، متحررة من كل الضوابط والقيود، ويتداخل فيها التزوير والفساد مع سوء المعاملة وغياب الرقابة الرسمية. والنتيجة تحوّل المستهلك الى ضحية للتجّار. وإذا كانت الإحصاءات الرسمية المتوافرة تشير الى ان 50 في المئة من الحيوانات المقتناة من المحال مصابة بالأمراض، فإن ذلك لم يؤثر في نسبة اقتناء الحيوانات الأليفة في منازل اللبنانيين حتى مع ارتفاع اسعارها العائد الى غياب التنظيم والرسوم الجمركية المرتفعة. تقتطع الموظفة كارلا مئة دولار شهرياً من راتبها المتواضع للعناية بقطتها «ليلي»، بما في ذلك زيارات دورية للطبيب البيطري. وابتاعت كارلا القطة «ليلي» من أحد المحال التجارية على اساس أنها آتية من تركيا، لكن زميلتها الخبيرة في تربية القطط كشفت أصلها المحلي (اللبناني). ولكن الأوان كان قد فات، لأن الضيفة العزيزة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الموظفة العازبة، ترافقها في كل تنقلاتها، وتصاب كارلا بانتكاسة نفسية كلما اضطرت إلى إسعافها في الحالات الطارئة. وتعلّقها ب «ليلي» دفعها الى شراء قطط أخرى. فهي تعرف ان عمر القطط قصير، وقد تتعرض لحوادث مفاجئة. وتقول كارلا: «أخاف من اليوم الذي قد أفقد فيه «ليلي»، لذلك أبقي الى جانبي «كوكي» و «لومي» و «سيسي» كي لا أشعر بالفراق. القطط الثلاث الجديدة لم تشترها كارلا، بل حصلت عليها من صديقتها التي تكره الحيوانات الأليفة بكل أنواعها وأشكالها. وإذا كان الاستطلاع الأخير الذي أجرته وكالة «رويترز» في 23 دولة أظهر ان خمس البالغين يفضلون قضاء عيد الحب مع حيواناتهم الأليفة، لا مع شركائهم، فإن «المختارة» كما يلقبها جيرانها (كونها زوجة مختار)، تعيش أيام حب على مدار العام. المختارة (66 سنة) محاطة ب «ثلة» من القطط. تستفيق معها، وتتناول وجباتها الثلاث في حضورها وحضور المختار. ولا تخلد الى السرير قبل أن تتأكد من ان بطون «اصدقائها» مملوءة بما يلزم. وفي الآونة الأخيرة، وسّعت «المختارة» نشاطاتها، وقرّرت تبني كل قطة تلتقيها في الشارع أو ينبذها أصحابها. وتحرص كل يوم على تعدادها، وقد تبقى «المختارة» على «لحم بطنها» يوماً كاملاً إذا كانت اللائحة ناقصة. تقول والابتسامة على وجهها: «مع كل هذه القطط حولي لا أشعر بالروتين... على عكس الزواج الذي ينتهي مفعول سحره بسرعة قياسية».