مع التطورات الإقليمية والدولية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بداية هذا العام، مثل الحرب الإسرائيلية على غزة والتداعيات التي نجمت على إثرها من بروز الاصطفافات الإقليمية على إيقاع تلك الحرب، لاسيما بين العرب من ناحية، وبين دول إقليمية كبرى مثل تركيا وإيران، بدا للكثيرين أن كل تلك التحركات كانت تجري ضمن البحث عن مكان ما وفق ما كان يجري من ملامح التغيير القادم من الولاياتالمتحدة الأميركية، إثر فوز الرئيس الديموقراطي باراك أوباما. فالتغيير التاريخي الذي حدث في أميركا لجهة بروز رئيس شاب وواعد توسم فيه الأميركيون والعالم من خلفهم رمزاً لحقبة جديدة حافلة بالكثير من الإيجابيات على صعيد السياسات الاستراتيجية لأميركا، جعل بعض القوى في الشرق الأوسط تعيد ترتيب أوراقها، لا سيما إيران حول الملف النووي والدور التركي القادم بقوة إلى منطقة بعد غياب طويل وراء سراب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأخيراً إلى الوضع العربي وما فيه من اصطفافات حول محوري «الاعتدال» و«الممانعة». ولقد كان خطاب التنصيب للرئيس باراك أوباما والخطوات الإجرائية التي صاحبت ذلك الخطاب وما رافقه من تصريحات عامة بخصوص ملفات الشرق الأوسط في السياسة الأميركية، ونظرته العادلة للإسلام ضمن تصريحات الأخيرة في تركيا «ورموزيتها التي ربما ذكرت المسلمين بمواقف النجاشي»، كل تلك الخطوات والتصريحات الإيجابية من الرئيس أوباما وجدت ردود فعل استباقية فهمها كل طرف على حدة، وربما كانت إيران أول الدول التي عرفت مغزى جنوح الإدارة الأميركية الجديدة إلى ميل ورغبة في المفاوضات في الملف النووي الإيراني، وذلك على خلفية الكثير من العوائق التي خلفتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش، كالأزمة المالية، والوضع في العراق، والفوضى التي صاحبت الحرب على الإرهاب، وعلى ضوء هذه المتغيرات التي خففت الضغوط الدولية على إيران بصورة اقل تهديداً من حقبة الإدارة الأميركية السابقة، يمكننا قراءة بعض ملامح وسياقات النفوذ التي تضمرها إيران في المنطقة. ليس من باب الصدفة أن تكرر إيران تصريحات غير مسبوقة حول دولة عربية ذات سيادة مثل البحرين، والحديث عن كونها المحافظة الرابعة عشرة من محافظات إيران في أسلوب يُذّكر بتصريحات النظام العراقي حول الكويت، على ضوء هذه التصريحات التي لقيت ردوداً قوية من طرف المملكة العربية السعودية، يمكننا أن نفهم استثمار إيران للأوراق التي بين يديها على إيقاع تحولات السياسة الأميركية الجديدة. بيد أن الواقع الجديد الذي أفرزته الانتخابات الإسرائيلية بوصول حزب الليكود بقيادة ناتنياهو، المتحالف مع اليمين المتطرف، وما صرح به من أن إيران هي العدو الأوحد في الحقبة الجديدة، كل ذلك سيزيد من تعقيد الأوضاع على نحو أشد صعوبة، فمثل هذه التصريحات ستمنح إيران دعاية قوية في استثمار ذلك العداء وتسويقه عربياً ضمن مناطق نفوذها، وبذلك يتم تغييب الكثير من نوايا إيران وتصريحاتها على إيقاع الصراع الصهيوني الإيراني الجديد، الذي هو بالتأكيد سيتم على الساحة العربية وسيدفع العرب أكلافه الباهظة، وهو ما كان قد حذر منه رئيس تحرير «الحياة» غسان شربل في مقاله بعنوان «مقدمات العاصفة». إن رهانات السياسة الإقليمية ستتخذ باستمرار من الساحة العربية ملعباً لنفوذها في ظل غياب الحدود الدنيا من رؤية عربية مشتركة تنتبه لحقيقة الصراع، صحيح أن الملفات العربية – العربية شائكة ومعقدة وتحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد المصالحة، لكن في مثل هذه التحولات المصيرية التي تحدق بالمنطقة العربية، يصبح التحدي هو أكبر سبب لمواجهة الواقع والمستقبل بموقف عربي واحد. بمعنى أن غياب رؤية عربية واحدة ومتماسكة إزاء التحديات التي تظهر في الأفق، سيفضي إلى تفويت الفرصة الأخيرة بما سيترتب على ذلك التفويت من تداعيات لا تسر أحداً في المنطقة العربية. وعلى رغم أن سياسات أوباما الخارجية ستنتهج نهجاً عقلانياً ويميل إلى التعاون مع المجتمع الدولي، إلا أن ذلك النهج سيراعي المصالح الأميركية التي تتقاطع مع المصالح العربية، من ناحية، وسيكون وفياً لضرورات المصالح الأميركية الأشد حيوية، وهنا سنجد أن الأوراق التي تمتلكها إيران إزاء السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هي الأوفر حظاً من الأوراق العربية، ولعل ذلك يكون سبباً آخر في تصريحات إيران غير المسبوقة تجاه البحرين. وبنظرة سريعة إلى واقع المنطقة العربية سنجد أن الملفات الدولية ترتبط ببعض كيانات هذه المنطقة، وما يتصل بها من تداعيات دولية نجمت عن أسباب داخلية كقضية المحكمة الجنائية ضد الرئيس السوداني عمر البشير، وكذلك المحكمة الدولية بخصوص اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وغيرهما. ففي ضوء العجز العربي عن ترتيب أولوياته، والتفويت الدائم لفرص الحلول العقلانية إزاء الكثير من القضايا العربية وسيكون التعاطي مع الملفات الساخنة والمتصلة برهانات النفوذ الإقليمية أشد عجزاً، الأمر الذي يعجل من العاصفة في منطقة الشرق الأوسط، عاصفة ستحل في صميم الأراضي العربية أي في الملاعب العربية. ما تبذله الدول العربية الكبرى كالسعودية ومصر من جهود تهدف إلى ترميم الواقع العربي، كمساعي الحكومة المصرية للحد من أثر قرار المحكمة الجنائية ضد الرئيس السوداني عمر البشير، وكذلك محاولاتها الدائبة لجمع الفصائل الفلسطينية من أجل حد أدنى من برنامج وحدة وطنية، والجهود السعودية التي تبذل مساعي حثيثة من أجل تمتين العلاقات السعودية السورية، لاسيما عبر الزيارات المتبادلة أخيراً بين البلدين، وكذلك التصريحات السعودية القوية ضد تصريحات إيران الغريبة ضد مملكة البحرين، وخطوة المملكة المغربية المؤيدة لسيادة مملكة البحرين، كل تلك الجهود لا بد أن تجد لها استراتيجية عربية داعمة في مستقبل الأيام. ففي غياب الجهود المشتركة لمواجهة الرهانات القادمة يكون من الصعوبة بمكان أن يظل الوضع العربي كما هو، أي أن الاستقطاب الإقليمي الذي يجري في المنطقة العربية لصالح قوى إقليمية أخرى سيكون له أسوأ الأثر في المستقبل القريب. [email protected] فراج العقلا – الرياض مستشار قانوني