من يتأمل التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة اليونيسيف حول «الرصد العالمي لتوفير التعليم للجميع لعام 2009»، الذي حمل عنوان «عدم المساواة في التعليم: أهمية الحوكمة»... التقرير بحد ذاته لم يكن مفاجأة، إذ تمت فيه قراءة الواقع من دون تجميل أو تحسين، إنما المحزن فيه وجود العالم العربي من ضمن الدول التي تتصدر القائمة بانتشار الأمية ووجود أطفال لم يلتحقوا بالتعليم النظامي بعد! عندما تتأمل الخطاب المحلي الطموح في تطوير التعليم، وتسبح في مخيلات «مجتمع المعرفة» و«التعليم الالكتروني» و«التعليم عن بُعد» وتعيش في رحاب هذه المصطلحات الطموحة، لا تنفك أن تصحو على صوت الواقع المحزن الذي يخبرك عن وجود أطفال تجاوزوا سن 12 عاماً «فتيان وفتيات» ولم يلتحقوا بالدراسة النظامية في مراحل التعليم الأولية. إن جميع سياسات التعليم تُلزم الجميع بالتعليم وبوجوب الالتحاق به، بل وقبل ذلك النصوص الشرعية والتشريعية التي كانت صريحة في أهمية التعلم والتعليم للفرد، ففي المادة «12» من «عهد حقوق الطفل»، الذي أقره المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الخارجية: «لكل طفل حق في التعليم المجاني الإلزامي الأساسي... وعلى الدول الأطراف توفير التعليم الأساسي الإلزامي مجاناً لجميع الأطفال على قدم المساواة»، وكذلك في المادة «41» الفقرة الثانية من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وكذلك في المادة التاسعة في إعلان القاهرة، وغيرها من الأنظمة والاتفاقات المحلية والعالمية. لاشك أن من أولى الخطوات الحقيقية في إصلاح الأنظمة التعليمية، يتطلب الوقوف على النسب الحقيقية للأطفال الذين لم يتلقوا تعليمهم الرسمي، إن النهوض بالتعليم يتطلب البحث عن هؤلاء الأطفال الذين يقبعون في الظلام ويخضعون لاستغلال أشخاص أو مؤسسات ليتم استثمارهم مادياً ومهنياً! لن يتطور التعليم في العالم العربي حتى نقوم بملء تلك المقاعد الفارغة لأطفال حُرموا فك الحرف ومعرفة الرقم، من أجل أوراقٍ ثبوتية تنقص سجلاتهم الرسمية، إن نسب المتخلفين عن التعليم والمتسربين والمنقطعين عن مواصلة تعليمهم الأولي، فضلاً عن أرقام الأميين التي تزيد وتنقص، لهي التحدي الحقيقي للمهتمين بإصلاح التعليم العربي عموماً وتعليمنا المحلي خصوصاً، لاشك أن التغاضي عن هذه المشكلة الحقيقية هو سبيل إلى مشكلات وفروع أخرى كثيرة، إن الأطفال الذين يقبعون خارج أسوار المدرسة هم الأطفال الذين يُمارس عليهم ما يُسمى «الإتجار بالأطفال»، سواءٌ من خلال العمالة، أو التهريب أو غيرهما من الممارسات المشبوهة. ليس من التكامل التنموي، ولا من العدل الشرعي والإنساني، أن يقتصر التعليم على طبقة ميسورة، سواءٌ كانت طبقة غنية أو طبقة متوسطة، مازال بعض الأطفال يسكنون حول المدرسة وينظرون إليها كأنها بنايات أسمنتية صماء لا تعني لهم شيئاً... عندما نسعى إلى رقي المجتمع العربي وتكامله وتنميته فلن نستطيع أبداً أن ننفك من مبدأ التعليم الشامل لجميع الأفراد وإلزاميته الحقيقية على الكبار والصغار، إن مبدأ «المساواة في التعليم» من أهم الحقوق والمحكات التي ينبغي على عالمينا العربي والإسلامي تنسيق الجهود وسد الخلل فيها ليصل التعليم إلى القرية قبل المدينة. مروان بن صالح الصقعبي - كاتب سعودي باحث في حقوق الطفل - عضو برنامج الأمان الأسري الوطني [email protected]