تنطلق مساء اليوم الدورة الخامسة والعشرين من المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في حلة جديدة، بحضور عدد كبير المثقفين والإعلاميين والشخصيات السياسية. وتشهد هذه الدورة تطوراً ملحوظاً في المحاور والأسماء المشاركة. فالمحاور متنوعة وتشمل مواضيع فكرية واقتصادية وأدبية، وكذلك الضيوف من مختلف البلدان العربية والأجنبية، إضافة إلى فرنسا ضيف الشرف هذه السنة فيما اختير الأديب عبدالله بن ادريس الشخصية الثقافية المكرمة لهذه الدورة. «الحياة» استطلعت آراء عدد من المثقفين ومن أعضاء اللجنة الاستشارية لتطوير مهرجان الجنادرية، حول ما تمثله هذه الدورة من أهمية. وتمنى الشاعر محمد الحرز أن يؤخذ بالتوصيات الكثيرة، التي قدموها في اجتماعهم الأول لتطوير المهرجان، معدداً أبرزها مثل: «إتاحة فرصة أكبر لمشاركة المرأة». و «طرح المواضيع الجادة، واستضافة مثقفين، على مستوى العالم العربي، يقومون بطرح مشاريع جادة»، مشيراً إلى أنه تم ترشيح بعض الأسماء للمشاركة في المهرجان. وفي موضع آخر، نفى أن تكون «اللجنة الاستشارية، مشكلة من تيار ثقافي واحد»، مؤكداً أن تشكيلها من مختلف الأطياف، وتابع: «جميع الأعضاء يطرحون مرئياتهم، وفي الأخير الجهة العليا في اللجنة تنظر في تلك التوصيات، والتي تخضع في النهاية إلى التصويت». وحول اتهام إدارة المهرجان، بأنها، لا تأخذ بالمقترحات التي يدلي بها أعضاء اللجنة، وأن هناك محافظين في إدارة المهرجان تقصي هذه المقترحات، وتستبدلها بأخرى تقليدية، قال الحرز إن «هذ الأمر كان يحدث في الأعوام الماضية، مبدياً تفاؤله بأن «يتطور المهرجان هذا العام، من خلال المقترحات الجديدة والعمل الجاد». وعدد بعض مقترحاتهم من أجل تطوير المهرجان، وتمنى الأخذ بها هذا العام تحديداً، مثل: «التأكيد على أهمية وجود الانسجام داخل المهرجان»، و«استضافة الشخصيات الثقافية الفاعلة والجادة، والعمل على الاستفادة التامة من الضيوف عبر الأنشطة الثقافية، وعمل لقاءات مباشرة معهم»، واعتبر ذلك من الأمور التي ستعلي من شأن المهرجان، وتدخله في طور جديد، إضافة إلى «التنويع في اختيار الضيوف من ذوي الأسماء الجادة، والاسهامات الثقافية، وعدم الركون للتكرار». وأبدى أسفه بالقول: «في السابق لم يكن تتم الاستفادة من الضيوف، إذ يأت الضيف ويمكث في الفندق، عشرة أيام من دون الاستفادة منه، لا ثقافياً ولا إعلامياً!» وأكد الحرز جدية طرح الدكتور عبد المحسن بخصوص تطوير المهرجان، وحماسته الشديدة، ليظهر هذا العام في شكل وذوق مختلف، معتبراً تطوير المهرجان «ليس بالأمر الصعب الذي يحتاج إلى مجهود كبير، وإنما فقط يحتاج إلى «تنسيق، وتنظيم، واقتناع، لا أقل ولا أكثر»، لافتاً إلى «كثرة الكوادر العامله فيه، من مختلف مناطق المملكة، مشدداً على حاجتهم فقط إلى إعطاء الفرصة المواتية للبروز». ونوه إلى اقتراح الدكتور عبدالمحسن «توزيع أنشطة المهرجان على جميع مناطق المملكة، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الثقافية والجامعات»، ووصف مقترحه بأنه «ممتاز»، لأنه «سيتيح لجميع المناطق أن تتفاعل مع المهرجان». في ما قال عضو اللجنة الاستشارية الدكتور سلطان القحطاني: «خرجنا بمقترحات جديدة وجادة، وكانت هذه المقترحات جاءت بناءً على ما وعدنا الدكتور عبدالمحسن بن عبد العزيز التويجري، الذي ألقى كلمة في افتتاح الاجتماع، في اليوم الأول، ومن هذا المنطلق صغنا مقترحاتنا، ورؤانا حول الجنادرية في أعوامها الماضية، وأردنا التجديد والتطوير في البرنامج، وخرجنا بنتائج جيدة، إذا طبقت فستكون الجنادرية على وهجها»، مشيراً إلى أن أفكارهم في اللجنة الاستشارية، متقاربة «وكل منا يكمل دور الآخر في الرؤية، ولو اختلفنا، فنحن متفقون على الخطوط العريضة، بما يخدم الجنادرية، ولذلك نحن نضحّي بكل ما في وسعنا لخدمة هذا المهرجان، بالرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله». وقال إن إدارة المهرجان «وعدتنا بتنفيذ كل التوصيات، لكن الأمر الأخير لإدارة المهرجان، ونحن مستشارون، ولا نُلزم الإدارة، فلها نظرة خاصة في بعض الأمور، وربما لا تكون بمقدورها تنفيذ كل مقترح، فمقترحاتنا يكمل بعضها بعضاً». من جهة أخرى، قال المسرحي عبدالعزيز السماعيل: «منح المهرجان الوطني للتراث والثقافة منذ انطلاقته الاولى فرصة حقيقة وخلاقة لإبراز الثقافة والتراث السعودي، وقد سكن في وجدان المهتمين بهذا الشأن من خلال هذا المعنى الوجودي منذ البداية وشارك الكثيرون فيه لإنجاحه والاستفادة منه. إلا أن الثقافة بطبعها وبجميع أشكالها وألوانها مجال حيوي متحرك ومتجدد باستمرار، لا يمكن أن يقف عند حد أو شكل معين. ومن هنا يمكن أن ندرك مدى الحاجة إلى تطوير المهرجان وآلياته باستمرار، وقد تأخرت الآن كثيراً في اعتقادي»، لافتاً إلى أن المهرجان ما يزال مهماً وقابلاً للتطور في جميع نشاطاته المختلفة، على أساس الحاجة إليه أولاً وأهمية مواكبته لتطور العصر والإنسان ثانياً». ويرى الشاعر جاسم الصحيح أن المهرجان «يحتلُّ مكانة كبرى بين المهرجانات العربية التي تقدِّم تراث أوطانها وثقافاتها إلى الآخر، وهو مهرجان عريق في حضوره وعميق في قيمته. ولا شكّ أنّ شأنه شأن أيّ مشروع تطول مدّته، لا بدّ أن يتعرّض لمدّ وجزر في حركة أمواجه، ولا بدّ أيضاً من العمل على تطويره وليس فقط على إبقائه في دائرة الحركة التقليدية»، مشيراً إلى أنه في عهد الانفتاح هذا الذي تعيشه المملكة الآن، «تصبح المسؤولية على أعضاء لجنة الجنادرية أكبر لتحقيق التطوير المطلوب. وأوّل فكرة يجب أن تبرق في الأذهان هي أنّ مثل هذا المهرجان الكبير يجب أن يصبح استكمالاً للمشروع التنويري، الذي ابتكره وما زال يقوده هذه الأيام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز. وعندما يضع أعضاء لجنة الجنادرية هذه الفكرة نصب أعينهم (وأنا واثق أنهم وضعوها) ستنفتح أمامهم آفاق كبرى لإطلاق الأفكار التي تحيل من مهرجان الجنادرية مشروعاً تنويرياً يُضاف إلى المشاريع الأخرى، مثل جامعة الملك عبدالله وبرنامج الابتعاث وغيرها». ويقترح الروائي منذر قباني أن يعود مهرجان الجنادرية «للتركيز على قضايا التراث و أن يكون هناك مهرجان ثقافي آخر لا يقل بريقاً، مهمته الأساسية هي الاهتمام بالأمور الثقافية المعاصرة و التعريف بالمبدعين المحليين و مناقشة قضاياهم و من خلاله يتم التواصل مع بقية مثقفي العالم». أما الكاتبة ابتسام المقرن فترى المهرجان «يكرر نفسه كل مرة، إذ بات مملاً، ومن يذهب له مرة نادراً ما يكرر الزيارة، خصوصاً وأن المكان ليس قريباً، وبالنسبة إلى الدور الثقافي والتعريف بالمثقفين لا أراه بشكل واضح، ربما يكون بارزاً بالنسبة لإلى الشعراء، لاسيما من يكتب أوبريت الجنادرية. ويؤكد القاص جمعان الكرت أن مهرجان الجنادرية: أحد أهم النوافذ التي أطل العالم علينا من خلالها. لذا من الضرورة بمكان إعادة وهج هذا المهرجان الثقافي، باستقطاب الأسماء البارزة في سماء الإبداع الأدبي والثقافي والفكري من جميع أصقاع العالم، فضلاً عن ضرورة تشكيل لجنة عالية المستوى لتحديد المواضيع التي يمكن طرحها من خلال الندوات، بحيث تلامس القضايا والهموم العالمية والمحلية، مع تكثيف التغطية الإخبارية المباشرة من دون الاكتفاء بلقطات سريعة، ومن المهم تكريس الاهتمام بالمثقف السعودي في هذه التظاهرة الثقافية». ويرى القاص علي المجنوني أن المهرجان «جسراً مهماً يمده الإنسان السعودي نحوه من جهة ونحو الآخر من جهة أخرى. فالطبيعة الجغرافية لهذا البلد وما نتج عنها من تنوّع تراثي وثقافي جعلت من زيارة هذا المهرجان خطوة ضرورية لاستكشاف واستقصاء بعض التراث، الذي لا يتأتى الاطلاع عليه من دون حضور هذا المهرجان»، ملاحظاً أن المهرجان في السنوات الأخيرة «سقط في فخ التكرار، إذ الفعاليات المقامة كل عام ومحتويات بعض أجنحة المهرجان تكاد تكون نفسها، ونادراً ما تقدم أجنحة المهرجان شيئاً مختلفاً عمّا تقدمه كل عام. ولعل أبرز ما يميز مهرجان الجنادرية في العامين الأخيرين هو استضافة دول تقدم عروضاً عن ثقافتها كما تعرض شيئاً من مخزونها التراثي من فن تشكيلي وتصوير وحرف ومسرح وفنون أدائية. لا أعتقد أن أحداً زار جناح دولة روسيا في العام الماضي وتركيا في الذي قبله ولم يستمتع». وتقول الشاعرة مها النهدي: شهد المهرجان تطوراً عظيماً في شتى الثقافات التي يقدمها، و أصبح أكثر تفاعلاً مع المعطيات الجديدة، و انعكس ذلك بشكل ملحوظ على كل رواد المهرجان، و متابعيه. و المثقف السعودي كان له الدور الأبرز في المحاضرات التي كانت سابقاً تعتمد على غير السعوديين ليحاضروا ,أما الآن فأصبح المثقف السعودي هو من يدير كل هذه الأمور، و في كل سنة تضاف فعالية أو نشاط جديد يثري المهرجان، و ما زلت أجد وهجها و بريقها، ربما أجمل من السابق لما يقوم به المثقف السعودي الذي يعرف و يعي تماماً ماذا يقدم».