ذكر تقرير ل«المرصد الاقتصادي» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التابع لمجموعة «البنك الدولي» الشهر الماضي، أنه على رغم إشادة كثير من المراقبين في المنطقة العربية بارتفاع معدلات النمو قبل اندلاع ثورات «الربيع العربي» بسنوات عدة، أظهرت استطلاعات رأي للمواطنين في الفترة ذاتها، تراجعاً حاداً في معدلات الرضا عن حياتهم، خصوصاً الطبقة الوسطى. وأوضح التقرير أن ثورات «الربيع العربي» اندلعت بسبب التنامي الواسع للإحساس بعدم الرضا عن نوعية الحياة، وتردي مستوى المعيشة للمواطنين في الدول العربية، ما أدى إلى انهيار عقدها الإجتماعي، مشيراً إلى أن «تردي مستويات المعيشة، تجلّى في نقص الوظائف الجيدة في القطاع الرسمي، وسوء الخدمات العامة، وضعف المساءلة العامة. بينما لم يتمكن نظام الدعم واسع النطاق من تعويض كل هذه المشكلات، إذ إن تأثيره على الطبقة الوسطى التي تبلغ نحو 40 في المئة، أقل درجة من تأثيره على الطبقة الدنيا التي تبلغ النسبة ذاتها». وقال كبير الخبراء الإقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ل«البنك الدولي»، شانتا ديفاراجان، إن «العقد الإجتماعي القديم لإعادة توزيع الثروة مع اختفاء أصوات المواطنين لم يعد مجدياً. يريدون إسماع أصواتهم، وفرصاً حقيقية، وتقدماً إقتصادياً»، في إشارة إلى اندلاع الثورات العربية. وذكر التقرير أنه على المجتمع الدولي بذل الجهود لإنهاء صراعات المنطقة ومساعدة بلدانها على تجديد العقد الإجتماعي، لأنها معرضة إلى السقوط في الفوضى، وأن استمرار الاضطرابات السائدة الآن، يزيد من حدتها ويضعف الأداء الاقتصادي، الأمر الذي دفع مجموعة «البنك الدولي» قبل أسابيع عدة، إلى تدشين استراتيجية جديدة للمنطقة تركز على معالجة أسباب الصراع لتعزيز السلام والإستقرار، ومن ضمن من أهدافها الرئيسة، إعادة بناء العلاقات بين المواطن وحكومته عبر تحسين الخدمات وزيادة مستويات الشفافية والمساءلة. وفي هذا الصدد، قالت المؤلفة الرئيسة للتقرير، الخبيرة الاقتصادية الأولى في مكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ل«البنك الدولي» إيلينا يانتشوفيتشينا، إن «الوضع لا يزال يتفاقم في المنطقة، إذ أن العوامل التي ساهمت في تعاسة المواطنين قبل الربيع العربي ما زالت قائمة، وعلى رغم أن المظالم وحدها لا تؤدي إلى حروب أهلية، فإن الثورات التي تحركها المظالم يمكن أن تنمو وتتطور إلى ذلك، خصوصاً في المجتمعات التي تشهد استقطاباً على أسس عرقية أو طائفية، وما يزيد من مخاطر الصراع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب». وفي شأن المستقبل الاقتصادي للمنطقة، توقع التقرير أن يبلغ معدل نمو إجمالي الناتج المحلي 2.8 في المتوسط العام الحالي، وتُعد احتمالات تحسّن هذه التوقعات ضئيلة مع استمرار التراجع في أسعار النفط وبقاء الحروب الأهلية والصراعات، بالإضافة إلى الركود المحتمل في الاقتصاد العالمي. وأضرت الحروب الأهلية كثيراً باقتصادات ليبيا واليمن والعراق وسورية، وتنتشر آثارها في الاقتصادين اللبناني والأردني، إذ لم تسجل البلدان المستوردة للنفط بالمنطقة نمواً سريعاً في أعقاب تراجع أسعار النفط، لتضررها بدرجات متفاوتة بالهجمات الإرهابية، وانتشار آثار الحروب من البلدان المجاورة وضعف النمو في منطقة اليورو وغموض الأوضاع السياسية. وجاء انعكاس ثورات «الربيع العربي» على سوق العمل سلباً، ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة في البلدان العربية، وتراجع مؤشرات النمو فيها، بالإضافة إلى تزايد عجز الموازنة وتدهور الميزان التجاري والاحتياط النقدي، وتراجع قيمة العملات الوطنية وارتفاع معدل التضخم وكلفة المعيشة، الأمر الذي ساهم في تفاقم مشكلة الفقر وزيادة عدد الفقراء، حتى أن دولاً عربية انتقلت من وضعية الفائض المالي إلى وضعية العجز في الموازنة، بسبب جهود الإنفاق لضمان الاستقرار الإجتماعي وما تلاه من تعثر اقتصادي وصعوبات في المناخ السياسي والأمني. وفي مقال بعنوان «الربيع العربي والعودة إلى البعد الاقتصادي» في صحيفة «الحياة»، يركز الكاتب السعودي سلطان العامر، على «أهمية الدور الذي تلعبه الظروف الاقتصادية وتوزعها على الخيارات الاستراتيجية، والأحداث الرئيسة التي نعيشها في الأعوام القليلة الماضية منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، على رغم اعتماد بعض المحللين للأحداث على البعد الخارجي، أو على هويات الأطراف المتصارعة، أو إرجاع الأحداث إلى الخيارات التي يتبعها الفاعلون الرئيسون من النخب والجماعات السياسية الكبرى». ويرى العامر أن «المحللين ابتعدوا عن تناول البعد الاقتصادي، لأن النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي تربط التنمية الاقتصادية مع التحول الديموقراطي، فشلت في تفسير أسباب اندلاع الثورات، بينما يطرح النظرية التي تقدم بها كارلس بويكس في كتابه الديموقراطية وإعادة التوزيع، التي تستند على تقسيم المجتمع إلى قسمين فاعلين (أغنياء وفقراء)، والمساواة في توزيع الدخل وطبيعة الثروات في المنطقة، ما يقدم تصوراً عن التحولات الديموقراطية من دون لجوء الشعوب أو السلطة إلى العنف، كما هو حاصل في بعض البلدان العربية».