لا تشغل العروض المسرحية المستوحاة من التراث حيزاً كبيراً في الساحة الفنية في مصر، خصوصاً أنها لا تستهوي الجمهور مثل العروض الاستهلاكية، إما لفلسفية أفكارها أو لفراغ مضمونها من الإبهار والتميز الإخراجي، وبالتالي، تكون الغلبة للعروض الاستعراضية والنصوص الاجتماعية الكوميدية. وعلى رغم أعراض الشيخوخة والهزال التي ضربت مسارح الدولة منذ مدة طويلة، إلا أنها تحاول بين الفينة والأخرى، انتقاء النصوص وتنويعها بين الدرامي والاستعراضي وحتى التراثي. ومن ضمن العروض التي يقدمها البيت الفني للمسرح على مسرح الطليعة في القاهرة، «أرض لا تنبت الزهور» للأديب والمسرحي محمود دياب، من إعداد وإخراج شادي سرور وبطولة مجموعة من ممثلي البيت الفني. المسرحية مستوحاة من قصة تراثية في منتصف القرن الثالث الميلادي، إلا أنها مليئة بالإسقاطات العصرية حيث تُعبّر عن دراما البحث الإنساني عن مبادئ العدل والخير والتسامح. ينطلق العرض من حياة الملكة الزبّاء (زنوبيا ملكة تدمر) التي تتطلع الى الثأر لمقتل أبيها من جذيمة الأبرش، حيث تعده بالزواج ثم تستدرجه الى بيتها وتقتله. لكن القتل يستدعي قتلاً وينتهي الأمر بانتحار الملكة. جاء الإطار الإخراجي للمسرحية مشابهاً إلى حد كبير للقصة الأصلية إلا أن المخرج زينه برؤية درامية لافتة وطرح فكري جديد، إذ ركز على إشكالية علاقة الحاكم والمحكوم وصراعات البشر وتهافتهم على السلطة والجاه عبر قصة النزاع بين تدمر والحيرة. وعلى رغم تقليص مساحة الميلودراما بما تحمله من ظلم ودماء وانتقام بالابتعاد عن الجمل الحوارية الطويلة والشعارات المستهلكة إلا أن مشاهد المسرحية تميزت بالإبهار التمثيلي والإعداد المسرحي المحترف. ويحسب للمخرج الشكل الإخراجي غير التقليدي الجريء عبر الصورة الجذابة المبهرة التي قدمت أحداث العرض في شكل عصري. أما توظيف الممثلين في أدوارهم كان بعيداً من الافتعال والمبالغة، إذ تمكنوا من التعبير عن مكامن وأبعاد كل شخصية بما تحمله من كبرياء وعاطفة وظلم وتعسف وهزيمة وانتصار، فضلاً عن تمكنهم من اللغة العربية الفصحى. كما كانت الإضاءة موفقة عبر استخدام الضوء الخافت حيناً والساطع حيناً آخر ما يرمز الى تصارع بين المشاعر المتناقضة التي طغت على العرض. وتعد الديكورات من أبرز ميزات العرض، إذ جاءت متلائمة مع الأحداث لتولد صورة مرئية جيدة خصوصاً تقسيم خشبة المسرح افتراضياً إلى نصفين، كل جزء يكمل أحداث الجزء الآخر، إضافة إلى الأعمدة وكراسي العرش التي تتحول الى أفاعٍ في دلالة رمزية على سيطرة العرش والسلطة على من يقع تحت قبضتهما لا العكس. أما المقولة الأخيرة والحكيمة للملكة الزبَّاء «أرضا تُروى بالحقد لا تنبت فيها زهرة حب»، فكانت موفقة إذ اختصرت الأحداث وسيكولوجية الشخصيات وإسقاطات العرض، أي أن الحب لا يولد إلا من رحم الحب والكره هو ابن الكره. ويعد المؤلف الراحل محمود دياب من رواد المسرح في ستينات القرن الماضي، ومن أشهر أعماله المسرحية «الزوبعة» التي حاز عنها على جائزة منظمة «يونيسكو» لأحسن كاتب مسرحي عربي، وترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية. وكتب أيضاً مسرحيات «أهل الكهف 74» و «اضبطوا الساعات» و «الغرباء لا يشربون القهوة» التي ترجمت إلى الإنكليزية وعرضت على أحد مسارح لندن.