تحوّل أمر تعيين المرأة قاضية في مجلس الدولة المصري إلى «خلاف علني» بين المجلس والمحكمة الدستورية العليا، أعلى جهة قضائية في مصر. إذ انتقد قضاة مجلس الدولة ما صدر عن المحكمة الدستورية العليا أول من أمس من تفسير لبعض مواد قانون مجلس الدولة والمتعلقة بتعيين قضاة في المجلس في ضوء ما أثير أخيراً في شأن تعيين المرأة قاضية في المجلس. واعتبر قضاة مجلس الدولة أن قيام رئيس الوزراء المصري بإرسال طلب تفسير إلى «الدستورية» يمثل تدخلاً من السلطة التنفيذية في شؤون المجلس والقضاء. وذكر بيان صدر أمس عن اللجنة المفوضة من الجمعية العمومية لمجلس الدولة أن قيام السلطة التنفيذية بإقحام المحكمة الدستورية في شأن من شؤون مجلس الدولة يمثل «مخالفة للدستور المصري الذي ينص على أن تقوم كل هيئة قضايا على شؤونها، الأمر الذي يعد سابقة خطيرة ستنعكس آثارها سلباً في هيبة ومكانة كل منها». وكانت المحكمة الدستورية العليا قضت بقانونية تعيين قاضيات في مجلس الدولة، بعد أسابيع من رفض الجمعية العمومية للمجلس تعيين النساء فيه، بدعوى وجود «مشاكل إدارية وإجرائية» تحول دون ذلك، وهو الرفض الذي اثار انتقادات حقوقية واسعة. وأكدت المحكمة الدستورية العليا عدم اختصاص الجمعية العمومية لمجلس الدولة بإجازة التعيينات، وأن المجلس الخاص للشؤون الإدارية في المجلس «هو المختص وحده دون الجمعية العمومية بهذا الشأن، وهو صاحب القرار». وكان المجلس الخاص للشؤون الإدارية وافق على تعيين المرأة قاضية، لكن الجمعية العمومية رفضت القرار بغالبية قاربت الإجماع، فطلب رئيس الوزراء أحمد نظيف من المحكمة الدستورية العليا، وهي أعلى جهة قضائية في البلاد، تفسير بندين في قانون مجلس الدولة، الأول في شأن أحقية المرأة في التعيين والثاني عن الجهة المنوط بها الموافقة على التعيين، فأكدت المحكمة حق المرأة في التعيين وأن «لا خلاف على هذا المبدأ»، وأن المجلس الخاص هو الجهة المنوط به تقرير هذا الأمر. وشدد بيان مجلس الدولة أمس على أن «تصوير الأمر على أن هناك جهتين تتصارعان داخل المجلس هو أمر مجاف للحقيقة والواقع، إذ أن الجمعية العمومية لمجلس الدولة ليست جهة أخرى للمجلس الخاص، وإنما هي بحكم تشكيلها بمثابة الأصل للفرع والكل للجزء». واعتبر أن إقدام السلطة التنفيذية على طلب تفسير بعض نصوص قانون مجلس الدولة دون طلب من المجلس «يمثل إهداراً لمبدأ الفصل بين السلطات وتدخلاً في شؤون العدالة». وحذر البيان من أن التطاول على مجلس الدولة وقضاته «تجاوز كل الحدود بما ينذر بخطر داهم يتعين على الجميع مواجهته». وقال نائب رئيس محكمة النقض المصرية المستشار أحمد مكي ل «الحياة» إن «إقحام رئيس الوزراء ووزير العدل في أمر من شؤون القضاء مخالف لاستقلال القضاء»، مشيراً إلى أن الدستور ينص على أنه لا يجوز لأي سلطة التدخل في شؤون العدالة وتعيين القضاة من صميم شؤون العدالة، متسائلاً: «كيف للسلطة التنفيذية أن تتدخل في علاقات أجهزة مجلس الدولة ببعضها بعضاً». وأوضح أن «الجمعية العمومية لمجلس الدولة تشمل أعضاء المجلس الخاص الذين تختارهم الجمعية وترقيهم ... الحكومة تصطنع خلافاً لتستصدر تفسيراً من الدستورية العليا يتماشى مع توجهاتها». وأضاف: «لا خلاف على أن المجلس الخاص هو المختص بتعيين القضاة أي هو الذي يصادق على التعيين وتسميتهم لكن هذا لا يعني ألا يكون للجمعية العمومية رأي ... كيف يكون لكل الأطياف من إعلام ومنظمات المجتمع المدني رأي ولا يحق لأهل الدار أن يقولوا كلمتهم». وأوضح أن الجمعية العمومية لمجلس الدولة لم ترفض تعيين النساء مطلقاً لكنها أرجأت الأمر لأنها ترى أن هناك شروطاً وقواعد يجب توافرها أولاً.