هل يتحول «ماسنجر البلاك بيري» إلى الممنوع المرغوب؛ وفقاً للقاعدة الشهيرة؟ على غرار ما حدث لكاميرا الجوال، التي مُنعت في بداية وصولها إلى البلاد، ولكنها اليوم في جوال كل مستخدمي الهواتف النقالة. ربما، لكن هل نفتح الباب على مصراعيه أمام هذه التقنية في عصر «العولمة»، مع ما فيها من أخطار؟ تستدعي هذه الأسئلة إجابات ومواقف متناقضة، ليس على مستوى الناس العاديين، بل تصل إلى الاختصاصيين في علمي النفس والاجتماع. ويتوقع الباحث الاجتماعي عبد الإله التاروتي، ان يكون الموقف من هذا الجهاز كأي جهاز آخر، وأي تقنية حديثة، سلاحاً ذا حدين، يمكن التعامل معه باعتباره شيئاً مفيداً، أو مدمراً. ويضيف: «هذه التقنية تدفعنا في ظل العولمة، إلى طريقين، فإما ان نمتنع عنها، أو نفتح لها الأبواب على مصراعيها»، مستطرداً: «ثقافة المنع لها تداعيات، وفق قاعدة كل ممنوع مرغوب، إذ سيكون تسويقاً للسلعة بشكل غير مباشر»، مستدركاً: «إن فتحنا الباب على مصراعيه، بدعوى العصرنة، نكون فتحنا أبواباً للتسويق، وبالتالي خطوط حماية للاستفادة»، طارحاً سؤالاً تربوياً واجتماعياً على المؤسسات الرسمية والأهلية: «ما الدور الذي يجب أن تفعله مع أي منتج تقني ثقافي جديد؟». ويجزم التاروتي بأن «ثورة التقنية شئنا أم أبينا؛ باتت جزءاً من المكون الثقافي لهذا الجيل، فبعد 40 عاماً، سيؤرخ هذا الجيل لثقافته، لهذا السبب لا نستطيع حجر هذه الإمكانات. ولكننا نراكم الخبرات السلبية، ولا نبرز الايجابية، فالشباب أمامهم طرق متناقضة في التعامل مع التقنيات الحديثة، والأمر المهم هو ان أطوع المنتج الثقافي بحسب الحاجة، أي ان المشكلة ليست في التقنية، وإنما في طريقة تطويعها. أما مسالة القديم والجديد فهي متلازمة مع الإنسان منذ الخليقة. والجديد يستدعي متغيرات جديدة. والإنسان عندما يعتاد على شيء معين فمن الصعب تغييره، فهذا التغيير يكلفه جهداً مالياً وذهنياً». ويتابع: «رفض التقنية الجديدة لا يعني اننا معقدون، ونفتقد إلى الشخصية السوية، التي لا تنجرف مع أي تقليعة، بل تراكم الخبرات الإيجابية، ومن خلالها تحذف السلبية». ويرفض الدعوة إلى ما يسمى «فرض السلبية»، بل ان «نرحب بما يأتينا، ولكن بعد منحه صفة إيجابية». ويستعرض الايجابيات والسلبيات لهذه التقنية، «الايجابيات مثل التواصل مع الشباب، وخلق جمعيات إلكترونية، وبالتالي التواصل التقني، وهو لغة العصر، الذي يوفر الجهد والوقت في إنهاء الأعمال من جهة. لكنها في المقابل؛ ربما تصبح مصدراً من مصادر التوتر، التي تنعكس على هيئة أمراض عدة. والإنسان يبتكر أساليب، والأمراض تترتب عليها». واعتبر أن «نظرية المنع تجاوزها الزمن، وهو يدفع الشباب إلى ابتكار أساليب يلتفون عليها». ويؤكد التاروتي: «علينا أن نلاحظ المعيار القيمي في التعامل مع التقنية الحديثة، وميزة تجارب المجتمع، ولا نقول إن الشباب سيكون ضحيتها، ولكن ننبه إلى خطورة تداعياتها على المجتمع، الذي سيدفع الضريبة. ويجب ان نعي أنه لا يمكن إيقاف التجارب التراكمية. ولكن يأتي دور الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، في تفعيل التواصل الايجابي»، مشدداً على عدم التعامل مع الجيل الشاب بسلبية مطلقة، أو بإيجابية مطلقة. بدوره، يقول الاختصاصي النفسي جعفر خزعل: «نشهد ثورة اتصالات كبيرة، وفي السنوات المقبلة، قد تكون هناك أجهزة اتصالات أكثر تطوراً من «البلاك بيري»، إلا ان المشكلة لا تكمن في الجهاز، بل في مستخدمه، فباستطاعة الفرد استخدامه في شكل سيئ، أو جيد». ويعتقد ان هناك «تهويلاً لسلبيات هذا الجهاز. فكل بيت الآن لا بد ان يوجد فيه جهاز كومبيوتر. ولكن الفرق بينها ان البلاك بيري جهاز محمول، ومن أهم سلبياته شغل الوقت، والإلهاء في شكل أكبر من السابق، بخلاف الكومبيوتر، لأنه يجعل الشخص مقيداً في وقت، وربما برقابة من الأبوين». ويضيف: «أصبح البلاك بيري الآن واحدة من علامات البرستيج، لذا يسعى الشباب لاقتنائه. إلا انه لا يختلف عن الإنترنت في شيء، إلا في سهولة التواصل عبره في أي زمان ومكان. ومن سلبياته المطروحة التي أثبتتها الدراسات، تأثيره على أعصاب البصر، إذ قد يؤدي إلى الضمور في العين، بسبب كثرة النظر إلى الجهاز بتمعن». وعن تداعياته الأخلاقية، يرى أنه «إذا كان الفرد لديه استعداد ان يسلك طريق الفساد، فلن يكون البلاك بيري وحده سبيله الوحيد لسلوك هذا الطريق، فلا يردع الفرد من السلوك المنحرف، إلا الأخلاق والقيم، والرادع النابع من الذات».