مجموعة مقالات لالهام سعيد فريحة صدرت في بيروت تحت عنوان «أيام على غيابه»، والمناسبة هي مرور 32 سنة على رحيل عميد دار الصياد الصحافي الرائد سعيد فريحة. تدور المقالات في موضوعات شتى لكن التقديم يبدأ من فقد الوالد المعلم: «رحلتي الى قمة التحدي بدأت يوم رحيل الوالد في 11 آذار 1978. كان في دمشق لاجراء اتصالات يحاول بها تطويق مضاعفات حادث الفياضية بين عناصر الجيشين اللبناني والسوري. يومها جاء من يبلغني بأن والدي في مستشفى «المؤاساة» على إثر أزمة قلبية، وهو قبل دخوله الغيبوبة ألحّ بأن يرسلوا في طلبي. بلغني النبأ عند الثانية والنصف بعد الظهر، وبعد ساعة كنت، مع الصديق الدكتور جان غانم (رحمه الله)، في طريقي الى دمشق، وسط طقس عاصف. وصلنا في الثامنة مساء بعدما لقينا كل التسهيلات على الحواجز. وعلى مدخل المستشفى التقيت توفيق حبوباتي (صديق والدي). وإذ رأى على وجهي علامات القلق والذهول تردد في اطلاعي على الحقيقة. هرعت الى السلّم فإلى ممر طويل رأيت في نهايته رئيس تحرير «الشبكة» رفيق الوالد وابنه بالروح جورج ابرهيم الخوري (رحمه الله) فصرخ إذ رآني: إلهام... الأستاذ مات»! أحاطني الأطباء لإسعافي من عنف الصدمة، لكني بقيت متماسكة أتلقى الهزة الكبرى، مصرّة أن أراه على فراش الموت. وعند سريره أبلغوني بآخر كلماته، بل آخر «قفشاته» المحببة: قبل دقائق من غيابه، نظر الى الممرضات حوله وقال: «كيف يمكن أن أكون مريضاً، وحولي كل هذا الجمال». ثم سأل: «هل وصلت ابنتي الهام»؟ وإذ أجابوه إنني في الطريق، أغمض عينيه مطمئناً الى أنني سأصل. وقبل أن ينتهي الأطباء والممرضون من شرح ظروف الوفاة، كان كبار المسؤولين السوريين بدأوا يتوافدون الى المستشفى معربين عن الأسف والأسى لخسارة صحافي وطني عربي كسعيد فريحة وعارضين كل مساعدة ممكنة(...). ستة أشهر بقيت أبكي، الى يوم قررت ألا يموت والدي مرتين، وأن يبقى اسمه وأدبه وتراثه وانسانيته وكرمه وشهامته رأس عنايتي واهتمامي الشخصي. هكذا، طيلة 32 سنة على رحيله، كنت أعيش على أساس أنه لم يمت. وكنت أضفي، على كل من هو حولي في المنزل أو في العمل أو في مجتمعي، روحه وانسانيته وكرمه وشهامته وحبه العمل والناس والرفاق وخاصة الجمال. ويوم أغمضت أمي عينها للمرة الأخيرة، لمع وميض فضلها أمامي وتذكرت والدي يوم كتب لها وعنها: «لولاك لكنت كل شيء الا صاحب الجعبة». بعد غيابه، شعرت بضرورة البقاء معه - كما كنت في حياته - على تواصل عبر الكلمة والحرف وحب الظرف والجمال. ما كتبه سعيد فريحه في «الجعبة» كان تسجيلاً أسبوعياً لكل ما مر به وعاشه وفكّر فيه. كانت مواضيعها صادقة، ظريفة، محورها الحب والجمال والهرب من الثقلاء ومن هم خارج حب الحياة. كانت جعبته من الأدب القصصي الرائع، من أدب الرحلات وأدب الاعتراف وأدب الذوق وأدب الحب وجميع أنواع الآداب. وأحبها الناس لأن صاحبها كان يحب الناس ويشعر معهم ويكتب عن نفسه وعنهم ولهم. ذهب سعيد فريحه وبقيت «الجعبة»(...) ومع اعترافي بأنني بعيدة من التشبه به، أو من أن أكون على قدر ضئيل من عظمته وخبرته وموهبته وطاقته واسلوبه الذي يجرح ولا يدمي، لكنني شعرت بأن علي اكمال مسيرته، ولو بالمحاولة، ولمرة واحدة».