لم يشفع لأجهزة «بلاك بييري» أنها لم تتمكن من الحصول على تأشيرة دخول إلى المملكة، إلا بعد أن نفق منها جيلان، فهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بصدد القضاء على الجيل الثالث، الذي يطلقون عليه تدليعاً «بي بي» فيما هو يعاني من الشيخوخة. وعلى طريقة الرجل الذي أعجبته فكرة مفاجأة الزوجة بمناسبة «عيد الزواج»، كما يطلق عليه بعضهم، فأراد أن يفاجئ زوجته، فطلقها، تسير هيئة الاتصالات، فهي تقدم لنا المفاجأة تلو الأخرى، لكن أي مفاجأة! فعبثاً حاولت أن أجد مخرجاً يفسر التحرك «الثلاث أشهري»، الذي تلجأ له الهيئة. لكنني اعترف أمامكم بأنني لم أوفق، في تفسير لاءاتها التي سبقني الزملاء في طرحها، والمتمثلة في «لا للتجوال المجاني»، و«لا للاعتراض على الفواتير قبل السداد»، وأخيراً التوجه إلى «اللاء» الثالثة المتعلقة ب «ماسنجر البلاك بييري». هل هي الوجودية التي تدفع الهيئة للخروج كل ثلاثة أشهر، بقرار يستفز المواطنين؟ ربما، لكن الأكيد أنها – أي الهيئة - لم تقدم للمواطنين بضع ما قدمه «البلاك بييري»، الذي تسعى للقضاء عليه، السؤال الأهم من المستفيد من ذلك؟ لعل الهيئة تجيب عن ذلك، لكن دعونا نسمع أحد المؤيدين لهذا التوجه، إذ يقول اختصاصي في شؤون الأسرة «بضم الهمزة» أن الخدمة «الماسنجر» «تؤدي إلى إصابة المدمن على المحادثات بمرض «الارتخاء الذهني»، وهذا المرض يا إخوان خطر جداً، فلا ينفع معه «سنافي»، ولا غيره»، وبالتالي فإن الدكتور المتخصص على «ذمة الصحيفة التي نقلت التصريح»، يرى «أن الوقت لا يزال باكراً حتى يستطيع شبابنا التعامل مع التقنيات بالشكل المناسب الذي يؤثر في تطور مجتمعنا». هل تعلمون ماذا يعني كلام دكتور الأسرة «أيضاً بضم الهمزة»؟ يعني أننا شعب مُتخلف، ويجب أن نبقى على «تليفون أبو قرص» لقرن مقبل من الزمن، حتى نستطيع أن نتعامل مع التكنولوجيا! طبعاً؛ إذا كان هناك من يرى ذلك في شعب لديه أكبر عدد من المبتعثين على مستوى العالم، وأبناؤه يشكلون أحد أكبر نسب حملة الشهادات العليا في العالم العربي، فالمصيبة أعظم، عندما تأتي من رجل يفترض أن يكون على قدر من الثقافة والمعرفة، فما بالكم عندما تأتي من دكتور أسرة «للمرة الثالثة بضم الهمزة»؟ أخشى أن يكون هذا منطق هيئة الاتصالات، وإذا سايرنا تلك النظرة الدونية؛ فنحن أمام مجموعة من «اللاءات» التي تهدد مصالح المواطنين، فخذوا مثلاً خدمة «الإنترنت»، هل تتصور عزيزي القارئ هذه الخدمة من دون «غوغل»؟ شخصياً فكرت كثيراً بالأمر، وحاولت الابتعاد عن هذا المحرك الذي يشبه «الفايروس»، لكن الذاكرة عادت بي سنوات إلى الوراء، عندما سمعنا أول مرة عن خدمة «الانترنت»، تذكرت كيف كان انطباعنا عن أن هذه الخدمة تمكنك من توجيه السؤال فتحصل على الإجابة، اليوم «غوغل» من يقوم بهذه المهمة، فهل يأتي اليوم الذي تمنع فيه هيئة الاتصالات محرك البحث الأكثر شهرة في العالم؟ طبعاً «قوقل» خطر أمنياً، وأيضا يقود إلى «التهلكة» من خلال تسهيله الوصول إلى المواقع الإباحية التي يدل عليها، لكنه في مقابل ذلك يقود إلى مواقع ثقافية وعلمية وتاريخية وأطفال وإسلامية، وما دام يقود إلى هذه الأخيرة ف «الدال على الخير كفاعله»، والحسنة هنا بعشر أمثالها، ما يعني أن كفة الخير أرجح، لذلك يجب ألا تسود هذه العقلية، لأن كل ما حولنا يقود إلى طرق عدة، منها ما هو صالح، وآخر ذو ضار. وأجد انه على مؤسسات الدولة كافة العمل على عدم إيجاد عوائق تحول أمام المواطنين والتكنولوجيا التي ينعم بها الغرب، وإزالة ما هو موجود منها. ولا أعلم ما الحكمة من أن نبقي المواطن «مشفوحاً» أمام ما يراه في الغرب من انفتاح تقني متوافر بأرخص الأثمان. ثم ألا يكفي جشع التجار وطمعهم، الذين يأتون بأسوأ أنواع التقنية، ويبالغون في سعرها، وسط سبات عميق تغط فيه وزارة التجارة؟ لا شك؛ أن طموحنا اكبر بكثير من مبررات هيئة الاتصالات، ولا أجد سبباً واحداً مقنعاً لحجب أي نوع من التقنية أو الخدمة، فالبلاد تشهد حراكاً على الصعد كافة، وتحقق الإنجاز تلو الإنجاز، أما إذا كنا سنتعامل بمنطق «أعجبكم وإلا اشربوا من ماء البحر»، فهذا المنطق قديم، ولم يعد ذا قيمة، فالتحلية ما قصرت...! [email protected]