أسهمت السجالات الفكرية في نفاد كتب الأسماء الفكرية أو الدينية اللامعة محلياً وعربياً وربما دولياً، إذ تشهد مضامين كتبهم وربما أسماؤهم فقط مناوشات لا تنتهي، فكتاب «تحرير المرأة في عصر الرسالة»، و «نقد الخطاب السلفي ... ابن تيمية نموذجاً»، و «تفسير الظلال»، وكتب للعالم يوسف القرضاوي، وعبدالوهاب المسيري، ومحمد سليم العوا، والأعمال الكاملة لمحمد عبده وقاسم أمين، وغيرها كثير شهدت إقبالاً من جانب مثقفي المعرض. وكان الرابح الأكبر أصحاب دور النشر خصوصاً العربية منها، إذ لبوا مطالب الأطياف الفكرية المتباينة بتوفير الكتب التي تعنيهم حتى وإن كان البيع اختلاساً، مشابهاً لطرق المهربين. أما أجواء «الحرية»، فإن الحالة الوصفية لمساحتها في المعرض، تتسم بقدر كبير من «التأرجح والتذبذب». ذلك ما لوحظ من حديث بعض المثقفين، إذ منهم من انتقد منع الكتب والتشديد عليها كثيراً مقارنة بالأعوام الماضية في حين أشاد فريق آخر بالحرية والتخفيف من الرقابة، لكن اللافت هذا العام منع بعض الكتب الفكرية والدينية لعامة الناس والسماح لبيعها على النخبة. فكرة «البيع للنخب» لم تأت من رصد موثق للكتب، وإنما عبر مسح سريع وفقاً لحديث الناشرين، ما حدا ببعض الناشرين للقول ساخراً «أطالب بفحص (DNA) حتى أتأكد أن المشتري من النخبة أو يأت بتزكية من ثلاثة مثقفين يقرون أنه من النخبة»، إلا أن مطالبة مسؤولي المعرض بقصر بيع نوع من الكتب على النخب أفضل من المنع تماماً من وجهة نظرهم. كتاب «تحرير المرأة في عصر الرسالة» لعبد الحليم أبو شقة الذي تلقى تعليمه على عالم الحديث ناصر الدين الألباني، لم يكن متاحاً محلياً، لعدم الارتياح للآراء الشرعية فيه ومخالفته للآراء الدينية حول المرأة، إذ أثبت للقراء شرعياً أن المرأة المسلمة تجلس مع زوجها ويشاركان الضيف في الطعام وتستقبل الضيوف وفيهم رسول الله وتأمر الرجال بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتشهد صلاة العشاء والصبح مع الرسول، وتلبي دعوة عامة لاجتماع عام يدعو إليه مؤذن الرسول، وغير ذلك من الآراء المؤصلة شرعياً، ما جعل رواد المعرض ينكبون على الشراء، فانتهت 100 نسخة في منتصف أيام المعرض. كتب سيد قطب (تفسير الظلال، معالم في الطريق، المستقبل لهذا الدين...) ومحمد قطب (واقعنا المعاصر، جاهلية القرن العشرين، هل نحن مسلمون؟... ) بشتى أنواعها، كانت محل اهتمام من رواد المعرض، خصوصاً المحافظين منهم لكنهم لم يجدوها في بعض الدور، وإنما تحت الطاولة في دور أخرى! كتاب «نقد الخطاب السلفي ... ابن تيمية نموذجاً» لرائد السمهوري لم يحبذ نشره على العامة (كما يقول صاحب دار طوى). ربما للحضور الكبير الذي يحظى به ابن تيمية في الوسط الشرعي هنا، أو لأن ابن تيمية يعد «أبو الصحوة الإسلامية» كما يقول السمهوري نقلاً عن المفكر الإسلامي راشد الغنوشي. وكان الدافع وراء الكتاب كما يقول: «احتكاكات جرت بيني وبين بعض الإخوة ممن إذا ناقشتهم سردوا لك أقوال ابن تيمية مؤيدين بأقواله آراءهم، في مواضيع عدة، لاسيما مسألة التعامل مع المخالف». وأوضح في مقدمة الكتاب أن المقصود بالخطاب السلفي حزمة من المفاهيم والأدوات المستخدمة في النظر إلى النص الديني وإلى الواقع يعبر عنها بخطاب لغوي أو بسلوكيات وردود أفعال وتعامل وطريقة في الحياة، مفيداً أن المعني بنقده الخطاب المنتسب للسلف وليس بالضرورة خطاب السلف أنفسهم. جمع من أصحاب دور النشر والبائعين فيها تحدثوا إلى «الحياة» مثل: صاحب دار طوى عادل الحوشان، وذكر أن هناك كتباً منعت في المعرض الحالي ولا يعلم ما هو السبب، في حين أن هناك كتباً منعت العام الماضي لكنها لم تمنع في المعرض الحالي. ولفت إلى أن الناشر العربي يحرص على تسويق كتبه من الدرجة الأولى بأي طريقة كانت مثل: «الدعاية» بأن الكتاب ممنوع، وأشار إلى أنه هذه الطريقة تثير ضجة حول كتاب وربما يمنع بعد ذلك، لكنه لم يحبذ هذا الأسلوب وقال: «يهمني من الدرجة الأولى أن تصل فكرة الكاتب، وما يحمل من مضامين جيدة إلى القارئ السعودي، بعيداً عن «البربقندا» الخاطئة»، مبيناً أن همه الأول هو نشر الكتاب والفكرة وليس الربح، المهم أن لا تثقل الخسائر المادية كاهله، كما يقول. واستشهد الحوشان بكتاب علي الشدوي بعنوان: «ما قبل الفلسفة .. حالة المجتمع السعودي» إذ اعتبره يحوي أفكاراً قيمة، لكن لو عرض بشكل مثير ربما يتسبب في منعه وحرمان الناس من العلم الموجود بداخله، إذ أثار أسئلة حول غياب الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والإنصاف والمساواة والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وتناول بالتحليل الطبيعة الكونية للمجتمع السعودي، واعتمد على أسلوب واضح حتى تصل فكرته إلى شرائح المجتمع كافة، لافتاً إلى أن كتابه يمثل شهادته الخاصة التي قد لا يتفق الأغلبية على ما يرد فيها. مستشهداً بقول برتراند رسل: «الحقيقة ليست قراراً يؤخذ بالأغلبية». كتاب «الحجاب» لسارا كانتكوس يحوي أسماء مثيرة كتبت حول الحجاب مثل سيد قمني ومحمد شحرور وغيرهم لكن بطرح فكري بعيد عن الجانب الشرعي. عطشى إلى الفلسفة! من جانبه، ذكر البائع في دار الشروق المصرية محمد شوقي أن كتاب «الفتاوى الشاذة» و «موجبات تغير الفتوى» للعالم يوسف القرضاوي حظيت باهتمام من القراء ونفدت باكراً، وأضاف: «جئنا ب»10» نسخ من الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده و20 نسخة من الأعمال الكاملة لقاسم أمين وكلها انتهت في أيام وجيزة». إضافة إلى كتاب «رحلتي الفكرية» للدكتور عبدالوهاب المسيري، كذلك انتهت في الأيام الأولى، وكتاب النظام السياسي للدكتور محمد سليم العوا، مفيداً أن كتب الفلسفة الدينية والمقاصد الشرعية وفلسفة الحكم تحظى باهتمام رواد المعرض وكثيراً ما يطلبونها. شوقي أشار إلى أن أسعار الكتب ارتفعت في عام 2010م قرابة 30 إلى 50 في المئة، وهذا ما تسبب في غلاء أسعار بعض الكتب، وأكد أن كتب محمد قطب وسيد قطب وجمال البنا وحسنين هيكل ممنوعة بشدة. وأكد البائع أحمد فلكي أنه أتى ب»100» نسخة من كتاب «تحرير المرأة في عصر الرسالة» لعبدالحليم أبو شقة (3مجلدات) ونفدت كلها، إضافة إلى كتاب تفسير الظلال لسيد قطب. وتساءل مستغرباً إذا كانت كتب الجنس والإلحاد يمرر بعضها، لماذا لا يغض الطرف أيضاً عن بعض الكتب الدينية، حتى وإن حملت بعض الخلل؟