في ميانمار تاريخ ثري لكنه «معقّد»، يمكن اكتشاف أجزاء منه عبر رحلة نهرية يقودك بها مركب عملاق من محاذاة الحدود التايلاندية إلى مدينة ماندالاي. فتعاين ملامح صورتين تختصران معالم هذا البلد «الغامض». صورتان لما أرسته الامبراطورية البريطانية وسحر الشرق التقليدي. ينزلق المركب على صفحة مياه نهر ايراوادي، الصفراء لما تحمله من طمي، الذي ينبع من جبال هيمالايا مجتازاً إقليم ماندالاي وصولاً إلى العاصمة يانغون (رانغون سابقاً)، في رحلة طولها 2100 كلم قبل أن يصب قي خليج البنغال. يقول معمّرون ورحالة كثر أن المناظر على ضفتي النهر لم تتبدّل منذ الانتداب البريطاني، نظراً إلى بطء التطور منذ الاستقلال عام 1948 (حمل هذا البلد اسم بورما حتى عام 1989). وقتذاك كانت شركة «ايراوادي فلوتيلا كومباني» تنظّم رحلات في سفن بخارية مصنوعة في اسكتلندا. وربما يحمل المركب الأضخم المجدد «سانكيتواري أناندا» أو «المتحف العائم» لتلك الحقبة طيف الزمن الغابر، والذي لا يشبه النسخ القديمة إلا في التصميم الخارجي وتقاسيمه. تقدّر قيمة هذا المركب ب4,8 مليون دولار، وزوّد محرّكاً قوته ألف حصان، وجهّز بأثاث فاخر من الصناعة المحلية المتقنة وتكنولوجيا متقدّمة للاتصالات والرفاهية والتكييف، بحيث لا يشعر الراكب بصعوبة الحياة في حوض النهر الذي يخترق مياهه، فيمضي أياماً سعيدة حتى بلوغ مقصده. ومن شرفاته، تواكب نظره قرى متناثرة أبنيتها مشيّدة على أعمدة خشبية متينة، تعدّ مصغّراً لأخرى ضخمة تحمل جسوراً معلّقة بين الضفتين، هي «تقنية» لتفادي غضب الطبيعة وأضرار الفيضانات المعتادة عليها المنطقة. فعندما تضرب ضربتها يرتفع منسوب المياه في النهر إلى درجة أنه يرفع القوارب الصغيرة إلى مستوى الجسور، هذا إذا لم تحطّمها أمواج متدفّقة بقوة. تترامى القرى والأبنية وسط حقول الرز، ويتجمّع قربها مزارعون يدخنون تبغاً ملفوفاً بقشرة الذرة، وترعى بجوارهم قطعان ماشية. وتنتصب خلف أشجار معابد بقباب بيضاء أو ذهبية، لعل أشهرها صروح باجان ال3 آلاف وأطلالها الممتدة على مسافة 8 أميال، وهي مثار نزاع على معايير تصنيفها وتأهيلها بين ال»يونيسكو» وحكومة ميانمار. وورد في كتب التاريخ أن سلالة ملكية حكمت هناك بين العامين 1300 و1100 قبل الميلاد. وقد دمّر زلزال عام 1975 ربع معالمها الصامدة. أما اسم المركب فمستوحى من معبد أناندا «أفخم أعجوبة معمارية في باجان»، الذي شيّد قبل 910 أعوام للملك كيانسيتا.