حين يكون هناك احتمال للأمل يصبح اليأس من نصيب الضعفاء. تلك هي مقولة برتراند رسل التي اعتمدتها إيران ميثاقاً ودستوراً في توجهاتها السياسية والعسكرية، وهو ذلك الاحتمال الذي عايشت أبعاده واعتركته وتلاحمت معه سنوات طوال حتى صار حقيقة ويقيناً بعد جولة مراهنات عصيبة أحدثت زلزالاً استراتيجياً أعاد تشكيل خريطة توازنات القوى، ومن ثم تداعيات شهدتها الساحة الدولية بقلق وترقب تخوفاً من اختراق شرقي جديد للنادي النووي. ولعل القضية المثارة من الغرب تجاه إيران وكوريا تسير في أعماقها الخفية ودلالاتها إلى عنصرية السلاح النووي وقصر تملكه على دول من دون غيرها، حتى لو كانت قادرة على تصنيعه واستكمال مراحله وخطواته اعتماداً على ذاتها أو على الآخر. أحدثت إيران وكوريا الشمالية ضجيجاً دولياً هائلاً يختلف في درجته وموقفه وخطورته. لكن يمثل فيه الاصرار وإرادة التحدي وعناق المستحيل قاسماً مشتركاً لدى كل منهما، وقد تجلت آخر مشاهد تلك البانوراما السياسية المزدوجة في شكل سافر وصارت لها الأولوية حتى في إطار الأزمة المالية العالمية، وهو ما يدفع بالضرورة الى الخوض في تساؤلات عن زوايا في القضية، منها: كيف لإيران أن تعترف بحقها في امتلاك السلاح النووي وضرورة أن تنهض بدور محوري في إدارة العالم بينما تتعامل مع أميركا بمنطق الوصاية، إذ تطلب مشاركتها في مناقصة إنشاء المفاعلات في إيران حتى تطمئن إلى سلامة البرنامج النووي؟! لماذا بلغ جموح الخطاب السياسي الإيراني أقصى درجات الاستفزاز للكيان الصهيوني في مؤتمر مكافحة العنصرية؟ كيف استطاع الرئيس الإيراني فرض وتوجيه قضية بعينها غير تلك التي انعقد المؤتمر من أجلها؟ بل كيف جعل من ساحة المؤتمر مرتعاً لإشعال أزمات جديدة؟ وما الدلالات الحقيقية لأن يعلق الرئيس الإيراني افتتاحه لأول مشروع إيراني لانتاج الوقود النووي بعد يوم واحد من بدء ترتيبات المفاوضات المباشرة حول الحوافز الأوروبية لطهران من أجل تعليق برنامجها النووي؟ وكيف يتنافى تصريح مساعد رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية نحو استكمال بلاده جميع مراحل تخصيب اليورانيوم بل تحويله إلى أقراص الوقود بينما تتجه رؤية مدير شؤون الأمن ايتان بوشون ومنع الانتشار النووي في مفوضية الطاقة النووية الفرنسية إلى أن إيران لن تتمكن من إحاطة برنامجها بسياج من السرية حال استغلاله لأغراض عسكرية لا سيما أن اكمال دورة تصنيع الوقود النووي سيتم اكتشافها فور حدوثها؟! ولماذا تراجعت واشنطن عن شرطها الأساسي بعدم الدخول في مفاوضات قبل أن تقوم إيران بتجميد نشاطها في مجال تخصيب اليورانيوم؟ وهل تغير مسار السياسية الأميركية إلى درجة الوصول إلى صيغة تدعى (بوشاهر مقابل تيهار) بمعنى أنه إذا أرادت إسرائيل مساعدة الولاياتالمتحدة فعليها إخلاء المستوطنات في الضفة الغربية؟ وعلى ذلك يتبدى لماذا تعلق إسرائيل عملية السلام مع الفلسطينيين ما لم تبذل واشنطن جهداً خارقاً لوقف البرنامج الإيراني. من ثم هل تنفلت إسرائيل من العقد المقدس مع أميركا وتستهدف نسف اثني عشر موقعاً إيرانياً نووياً؟ ولماذا حاولت إسرائيل إعاقة اللقاء بين الرئيسين الإيراني والسويسري، هل لذلك الدور الذي لعبته سويسرا في السابق بين الأميركيين والإيرانيين أم لأسباب أخرى؟ وهل كان محض مصادفة أن تحيي إسرائيل الذكرى السنوية للمحرقة النازية في توقيت انعقاد مؤتمر ديربان؟ وإذا كانت إسرائيل نجحت في اقناع كل من أميركا وكندا وأستراليا بمقاطعة المؤتمر حتى لا تتضمن قراراته إدانة للممارسات العنصرية فهل تحقق لها ذلك الهدف المنشود؟ ولماذا تناقضت تصريحات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز تجاه الخيار العسكري في شأن الملف النووي الإيراني؟ وماذا يعني عدم موافقة إسرائيل على اتمام صفقة الطائرات من دون طيار مع روسيا إلا بعد التأكد من عدم وجود نية لدى روسيا لبيع أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات لإيران، ألا إذا كانت إسرائيل تنوى فعلياً ضرب المنشآت الإيرانية؟ وكيف لروسيا أن تعلن أنه ليست لديها نية لممارسة ضغوط على طهران من أجل واشنطن؟ أما على الصعيد الكوري فلنا أيضاً أن نتساءل كذلك: لماذا لجأت كوريا الشمالية إلى تجميد برنامجها النووي ثم ارتأت أن تعيد تشغيل مفاعلاتها خلال شهور؟ هل كان الانتقادات اللاذعة لكوريا من مجلس الأمن بسبب اطلاقها الصاروخ بعيد المدى وراء طردها المفتشين والخبراء الأميركيين ومقاطعة المحادثات السداسية الرامية إلى نزع السلاح النووي؟ وهل مثل ذلك كبتاً سياسياً جعل كوريا تعلن وقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل تقرر إعادة تشغيل جميع منشآتها النووية؟ وهل أصبح امتلاك السلاح النووي يمثل ضرورة حيوية وإن كان على حساب ارتفاع معدلات الفقر في دولة ككوريا الشمالية تعاني أزمة اقتصادية طاحنة تصل إلى حد المجاعة؟! إن استماتة إيران وكوريا الشمالية وتشدقهما بالحق النووي ليس مثيراً للغرابة، وقد باتت الساحة العالمية مستنقعاً لسباق التسلح الآثم الذي تكفي فيه ترسانة دولة واحدة لإبادة كوكب الأرض! وأن اللغة الحوارية التي تخلو من المزاعم والادعاءات والأكاذيب والخزعبلات هي اللغة التي يجب أن يطمح إليها المعترك السياسي الدولي المعاصر لأنها اللغة المثلى التي تعصم من فكرة أن يظل النووي قبل الخبز، أحياناً ودائماً! * كاتب مصري