ان سألت اسرائيلياً عن رأيه في جهاز ال «موساد» اليوم، بعد الكشف عن تفاصيل جريمة اغتيال القيادي في حركة «حماس»، محمود المبحوح، تواجه بخليط من الردود والمواقف المتضاربة، سواء بين السكان او المسؤولين وحتى الخبراء والمحللين. الخلاف في الرأي حوله واضح وهناك من يتجاوز حدود المدائح او الانتقاد والتهجم ولكن لدى الجميع موقف موحد « لا ننسى ان الأهم هو القضاء على واحد من ابرز الشخصيات المعادية لإسرائيل والمهددة لأمنها»، حتى ان أحد منتقدي الجهاز وهو الخبير العسكري، رونين برغمان ، ظهر على شاشة التلفزيون ليقول بكل وضوح «لا بأس اذا دفع اسرائيليون الثمن بسبب تزوير جوازات سفرهم لتنفيذ مثل هذه العملية طالما انها انتهت بقتل المبحوح». في هذه الأيام تسعى مجموعات عدة في اسرائيل الى تغيير صورة ال «موساد» في العالم بعد الكشف المتواصل من قبل شرطة دبي لتفاصيل جريمة اغتيال المبحوح. بدأت المرحلة الأولى من هذه الجهود بتوزيع قمصان سود نقشت عليها كلمة «موساد» الى جانب كتابات تشيد بنشاطه. على بعض هذه القمصان اكتفي بكتابة كلمة «موساد» بالإنكليزية وقد الصقت صورة مسدس بحرف الواو منها (O) فيما أبرزت على معظمها شعارات جاء فيها «اياكم والعبث مع الموساد» و«عملية الموساد في دبي». الترويج للجهاز بأسلوب القمصان او إبراز غيره ليس عملاً تجارياً يهدف الى الربح فقط، بل أيضاً وبالأساس يهدف الى دعم الإسرائيليين ومحاولة للتغطية على تنفيذ عملية القتل وجعلها أمراً ثانوياً. وازدادت جهود سياسيين للدفاع عن «موساد» وجريمته وفي مقدمهم رئيس لجنة الخارجية والأمن، تساحي هنغبي، الذي اعتبر قتل المبحوح مهمة للدفاع عن امن اسرائيل واعتبرها ضرورية تماماً كما سبق ان اغتالت اسرائيل الشيخ احمد ياسين، كما قال وهو في ذلك يطلق اعترافاً إسرائيلياً شبه رسمي باغتيال المبحوح وكذلك في قوله «ان تنفيذ عملية المبحوح ضروري من الناحية الأمنية تماماً كعملية ملاحقة قاتلي الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ والعمليات التي ينفذها الجيش في نابلس وجنين». اسرائيل وإن لم تعلن رسمياً «قتلنا المبحوح» فهي تفاخر بهذه العملية. الغاضبون على القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية وجدوا انفسهم اليوم في خندق واحد مع مخططي ومنفذي جريمة المبحوح وفي مقدمهم رئيس اركان الجيش السابق، دان حالوتس. فبعد غياب طويل له عن الساحة السياسية - العسكرية وتوجهه نحو مشاريع اقتصادية بعد طيه ملف اخفاقاته في «حرب تموز»، عاد ليتغنى بإنجازات «موساد» من خلال عملية المبحوح. وحالوتس الذي اتهم بالفشل في خلق قوة ردع اسرائيلية خلال فترة قيادته للجيش راح يروج لضرورة الحفاظ على قوة ردع أمنية، وبرأيه ان عمليات الاغتيال هذه تشكل في نهاية مراحلها ردعاً مهماً ويقول: «بتنفيذ عمليات الاغتيال يفكر الطرف الآخر ثلاث مرات وأربعاً بل اكثر حتى يقرر ان يسافر الى الخارج لتنفيذ عملية ضد اسرائيل او يبحث عبر الإنترنت عن تذكرة سفر لتخطيط هذه العمليات وتنفيذها .. فمرحلة بعد الأخرى، عمليات الاغتيال تشكل في نهاية المطاف قوة ردع لنا». وفي الوقت الذي وصلت شرطة دبي الى الذروة في كشف تفاصيل اغتيال المبحوح ودعت مئير دغان، الى التجرؤ والاعتراف بتنفيذ الجريمة، وتقدمت بطلب لاعتقاله واعتقال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، خرج «موساد» بإعلانات يدعو فيها الإسرائيليين للانضمام الى صفوفه. وفي مضمون هذه الإعلانات وجه دغان والقائمون على هذا الجهاز رسالة واضحة لكل من يريد «رأس الموساد» فجاءت أبرز بنود شروط العمل ان تتوافر لدى مقدم الطلب «اتقان اللغة العربية» والأفضلية لمن لديه خلفية في العيش خارج البلاد والاستعداد للخروج في مهمة فورية بعد فترة التأهيل. وجاء في الإعلان أيضاً «اذا كانت لديك جرأة، وحكمة وذكاء، يمكنك ان تؤثر وتحقق رسالة وطنية وشخصية. إذا كان يمكنك أن تجرف، ان تشوّق وإن تحرّك الناس، يحتمل أن تكون مصنوعاً من الخامة النوعية التي نبحث عنها. إذا كان لديك كل هذا، فإن أبواب الموساد مفتوحة أمامك». ومن بين الشروط المطلوبة للمتقدم للعمل ان يكون «حاملاً لقباً اكاديمياً ولديه تجربة حياة متنوعة، قدرة على التواصل الشخصي على مستوى عال، وتفكير مرن وإبداعي، وحب استطلاع، وقدرة على العمل في شكل مستقل ومع مجموعة». الترويج الإعلامي لزيادة طلب العمل في «موساد» بعد اغتيال المبحوح يأتي في موازاة الحديث الصريح والعلني عن دور نتنياهو كرئيس حكومة في عمليات الاغتيال، والتأكيد انه لا بد وأن يكون قد اطلع على الخطة وصادق عليها وبارك منفذيها. ولإدراج مثل هذا الدور لرئيس الحكومة في قائمة «المهمات الوطنية» هناك من رأى ضرورة التذكير بما كشفه كتاب «حساب مفتوح» للكاتب اهرون كلاين ويتطرق فيه الى سياسة الاغتيالات الإسرائيلية. ففي واحد من فصوله يشير الكتاب الى نشاط جهاز «موساد» انطلاقاً من ان عمليات اغتيال «اعداء اسرائيل» وسيلة شرعية للانتقام ضمن اطار الصراع. والحديث عن هذا الكتاب لا يساهم في التضامن فقط مع «موساد»، بل يمنح دعماً لنتنياهو اذ انه يوضح ان رئيسة الحكومة الإسرائيلية الأسبق، غولدا مئير، اعتمدت الاغتيال كسياسة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، بل كانت ركناً اساسياً في مفاهيمها وصادقت حتى على عمليات اغتيال من دون مبرر كاغتيال الكاتب غسان كنفاني، وهذه العمليات كانت تنفذ تحت ذريعة «ردع الإرهاب». دغان: نعمل من اجل إحباط التهديدات ويتوج مئير دغان، فلسفة جهازه بكلمة افتتاحية لموقع الجهاز الإلكتروني، فيكتب: «يقوم الموساد بتكليف من دولة اسرائيل بجمع المعلومات الاستخباراتية وبتنفيذ عمليات سرّيّة وخاصّة خارج حدود اسرائيل. كما يعمل الموساد على تشخيص التهديدات التي تتعرّض لها الدولة ومواطنوها، ويسعى الى احباط هذه التهديدات وإلى تعزيز أمن الدولة وسلامتها». ويضيف «تعتبر الخدمة في الموساد امتيازاً كبيراً، بل يعتبر تولّي رئاسة هذا الجهاز امتيازاً اكبر. وينضمّ من يدخل الى الموساد الى صفّ طويل من المقاتلين ورجال الاستخبارات، قاموا بخدمة شعبهم ودولتهم سرّاً، جيلاً بعد جيل، وهم مدفوعون بروح البذل والإخلاص. ويستمدّ الموساد قوّته بصورة اساسية من منتسبيه، الذين يشكلّون جوهره، بصفتهم القوة المحرّكة للموساد. كما يقف منتسبو الموساد في الخط الأوّل من نشاطه العملي». ويتابع «يُطلب ممّن يعمل في الموساد ان يمنح دولة اسرائيل من مواهبه وقدراته الشخصية، وعطائه وشجاعته. ويؤدّي منتسبو الموساد عملهم من منطلق وعيهم لأمانة رسالتهم. كما يؤدون خدمتهم سرّاً، وبتواضع وإخلاص. إنّنا نعمل من دون كلل أو ملل على ضمّ افضل الناس وأكثرهم ملاءمةً الى صفوفنا». وعلى رغم الأصوات العالية والداعمة للموساد ورئيسه الا ان الانتقادات لطبيعة عمل هذا الجهاز الاستخباري متواصلة في اسرائيل منذ اليوم الأول للإعلان عن علاقة اسرائيليين في تنفيذ عملية اغتيال المبحوح. وهناك من وصف الجهاز بجيش رئيس الحكومة، ومن اعتبره المنافس بسريته واستقلاليته للمفاعل النووي في ديمونة والبعض وصفه بالصندوق الأسود الذي حان الوقت لفتحه. ومن هنا ارتفعت الأصوات الداعية الى مأسسة الموساد وفتحه في وجه الرقابة وفرض القيود القانونية ليس فقط على كيفية اتخاذ القرارات انما ايضاً على موازنته. وهنا ينتقد البعض لجنة الخارجية والأمن، التي يفترض ان تكون الجهة المراقبة لأجهزة الاستخبارات، في حين لا يعلم احد من اعضائها تفاصيل عمل الموساد. وحتى الوزيران صاحبا العلاقة في عمل الموساد، موشيه يعالون ودان مريدور، لا قدرة لهما على إلزام دغان اشراكهما في اتخاذ القرارات. الخبير القانوني زئيف سيغل رأى ان تعيين مئير دغان رئيساً للموساد للسنة الثامنة على التوالي، يؤكد ان عمل اللجنة المعروفة باسم «اللجنة الخاصة لإجازة التعيينات للمناصب الرفيعة»، بات صورياً. وكان سيغل قد اقترح تحديد اطار قانوني مفصل للموساد عام 1998، في اعقاب محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان وفي اقتراحه ترتيبات تتعلق بتعيين رئيس الموساد وسبل الرقابة على عملياته، كما يشمل القانون طريقة تعيين رئيس «الشاباك» وعزله بحيث يتخذ القرار من الحكومة كلها وليس من قبل رئيس الحكومة وحده... لكن اقتراح سيغل وآخرين ممن يدعون الى فتح «الصندوق الأسود» تبقى مجرد اقتراحات ازاء القناعة الإسرائيلية التي اقيم على أساسها هذا الجهاز، المتمثلة بما قاله دغان لمنتسبي الجهاز: « تشخيص التهديدات التي تتعرّض لها الدولة ومواطنوها، وإحباط هذه التهديدات وتعزيز أمن الدولة».