مترتبات الانتخابات العراقية في 7 آذار (مارس) القادم، على العراقيين والسياسة الأميركية، كبيرة وحاسمة. ولعل أبرزها تشكيل حكومة جديدة. ويبدو أن نتائج الانتخابات لن تذلل الانقسامات السياسية التي قد تؤدي الى انزلاق العراق الى هوة العنف الطائفي. وإذا انزلق العراق الى الدوامة هذه، اضطر باراك أوباما الى الإخلال بالتزام انهاء الحرب في العراق الذي قطعه في حملته الانتخابية، وإلى الإبقاء على عشرات آلاف الجنود في العراق في الأعوام القادمة. ولا شك في أن 2010 هو منعطف في تاريخ العراق، على ما كان صيف 2003، يوم أدركت الولاياتالمتحدة أنها تواجه حركة تمرد، و2006 حين ارتقى التمرد الى حرب أهلية دموية في مرحلتها الأولى، ودخلت السياسة الأميركية طريقاً مسدوداً. وأغلب الظن أن يكون 2010 عام تبلور ملامح العراق ما بعد الاحتلال. والإدارة الأميركية قصرت غايتها على الإعداد الى انسحاب القوات الأميركية من العراق، وإرساء استقراره. ولم تجد الأسئلة الوجودية التي زرع تعليق الإجابة عنها الاضطراب في العراق، قبل خطة بترايوس، جوابها. فكيف تتقاسم جماعات العراق عوائد النفط؟ وما هو ميزان العلاقات بين الشيعة والسنّة والأكراد؟ وهل تكون حكومة العراق مركزية وقوية أم كونفيديرالية، قبضتها رخوة وليّنة؟ وما هو دور ايران في العراق؟ والأسئلة هذه تطرح قضايا شائكة افضت الى العنف، في الأعوام السابقة. وقد يُبعث العنف مع إعداد ادارة أوباما سحب القوات من مناطق لم تستقر بعد. وافترضت خطة الانسحاب الأميركية هذه، حين صياغتها، ان الانتخابات العراقية حاصلة في نهاية 2009 أو مطلع 2010، وأن بقاء الأميركيين يضمن الى نزاهة الانتخابات تمثيل السنّة في الحكومة تمثيلاً عادلاً. ولكن موعد الانسحاب اقترب، والانتخابات لم تحصل بَعد، والحكومة الجديدة لم تشكل. وتغامر القوات الأميركية إذا هي انسحبت من مناطق قد تنزلق الى العنف إثر الانتخابات، بالاستقرار النسبي. وفي نهاية الصيف، قد تجد ادارة أوباما نفسها بإزاء تحدي الرجوع عن سحب قواتها كلها، في نهاية 2011. والتحدي هذا لا يستهان به. ولكن أوباما أفلح في التصدي لمشكلات العراق تصدياً مرناً. ومن الأفضل التأني في تمديد بقاء القوات الأميركية بالعراق، وانتظار أن يطلب القادة العراقيون التمديد هذا. فهو مسألة سياسية عراقية شائكة. والأرجح ان يجمع الأميركيون والعراقيون على أن السبيل الأمثل الى تجنب انبعاث الحرب الأهلية هو مرابطة نحو 50 ألف جندي أميركي في العراق، في الأعوام القادمة. ولا يسع مثل هذه القوة الصغيرة، نسبياً، شن حرب، ولكن في وسعها ردع اندلاع حرب أهلية. والحرب هذه، إذا اندلعت، قد تدور بين أطراف كثر وجبهات. فالشيعة قد ينقسمون بين مؤيد لإيران ومناوئ لها. وقد ترقى الحرب هذه الى حرب اقليمية. فتركيا وإيران تتدخلان في شؤون العراق. ولن تقف الدول العربية موقف المتفرج إذا استهدف النظام العراقي، وهو يهيمن عليه الشيعة، الأقلية السنّية. وحرب اقليمية في مركز امدادات النفط الدولي قد تتهدد النظام الاقتصادي العالمي بالانزلاق الى كارثة. وقد تسهم مرابطة القوات الأميركية بالعراق في حل العراقيين نزاعاتهم السياسية سلمياً. وأنا طعنتُ في اجتياح العراق، ولم أؤيده. ولكن الانسحاب المتسرع يفتقر الى الحكمة، على ما كان قرار الاجتياح. ف «غباء» الاجتياح لا يسوغ الغباء في الانسحاب، على ما يقول ديفيد كيلكولن، خبير مكافحة الإرهاب. ويرى اميركيون كثر أن بقاء القوات الأميركية بالعراق يؤجل الحرب الأهلية، وأن الحرب هذه واقعة لا محالة. وقد لا يجافي هذا الزعم الواقع. ولكن مغامرة الانسحاب لا تحمد عواقبها حتماً. * باحث كبير في مركز «نيو اميركن سيكيوريتي»، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 24/2/2010، إعداد منال نحاس