على رغم أن الخلاف السياسي السعودي- الإيراني ليس جديداً، لكن الاختبارات التي مرت بها العلاقات بين البلدين، خصوصاً في الأزمات الإنسانية، أوضحت فروقاً كثيرة، ففي حين أرسلت الرياض طائرات المساعدة في الزلازل التي ضربت إيران في السنوات الأولى من الألفية الجديدة، استغلت إيران حادث التدافع في منى الذي وقع أخيراً لتحقيق مآرب سياسية. وطالبت إيران، إثر حادث منى الذي أسفر عن وفاة نحو 769 شخصاً، بينهم أكثر من 220 إيرانياً، بالتحقيق في الواقعة، بل استغلت ذلك للمطالبة بإشراف دولي على الحج. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال كلمته، الإثنين الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين، إن «الحادث ينم عن سوء إدارة»، وطالب «السعودية بتحمل مسؤولياتها وإعادة جثامين الضحايا الإيرانيين وتحديد مصير المفقودين في كارثة منى». وأطلقت إيران أذرعها السياسية في المنطقة للنيل من السعودية، ولم تكتف بالتصريحات الرسمية، إذ نقلت «وكالة تنسيم الإيرانية» شبه الرسمية عن مستشار الأمن الوطني العراقي السابق وعضو مجلس النواب الحالي موفق الربيعي مطالبته ب«إشراف دولي على مراسم الحج». وردّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على هذه المطالبات، قائلاً: «يُفترض بالإيرانيين أن يكونوا أكثر تعقلاً من أن يستغلوا سياسياً مأساة وقعت لأُناس يؤدون واجباً دينياً مقدساً». وقال: «سنكشف الحقائق عند ورودها، ولن نخفي شيئاً، إذا كان هناك أخطاء ارتكبت في الحج فسيتحمل المسؤولون عنها كامل المسؤولية». وأشار الجبير إلى أن «السعودية لها تاريخ طويل، وخصصت موارد كبيرة في سبيل خدمة حجاج بيت الله الحرام، وإنجاح أداء مناسك الحج». وعلى النقيض مما سبق، جاءت مواقف السعودية داعمة لطهران في الكوارث الإنسانية ولم تحاول استغلالها سياسياً قط، ففي صباح ال26 من كانون الأول (ديسمبر) 2003، ضرب زلزال بقوة 6.6 على مقياس ريختر مدينة بام الإيرانية، وخلف أكثر من 40 ألف قتيل، و50 ألف جريح، فضلاً عن المشردين. وعلى رغم أن العلاقات مع إيران لم تكن في أحسن حالاتها، بادرت السعودية بالدعوة لعقد اجتماع طارئ لوزراء المال في دول مجلس التعاون الخليجي، وتم تخصيص 400 مليون دولار في برنامج مشترك للمساعدة في إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، وإرسال فرق من الهلال الأحمر السعودي والمستشفيات الميدانية ورحلات الإغاثة الجوية، تضامناً مع الشعب الإيراني. وتكرر الأمر في 27 شباط (فبراير) 2005، إذ أرسلت السعودية إلى مطار كرمان (جنوب شرقي ايران)، وهي المدينة التي شهدت زلزالاً قتل المئات وأصاب الآلاف آنذاك، طائرة تحمل أكثر من 70 طناً من المواد الغذائية والطبية والخيام والاغطية والمولدات الكهربائية. وأوضح سفير خادم الحرمين لدى إيران آنذاك ناصر البريك أن «هذه المساعدات تدلّ إلى روح الأخوة والرابط الديني والإنساني بين الشعبين». وزاد أن «السفارة السعودية في طهران اتصلت بالمسؤولين الإيرانيين لمعرفة نوعية المساعدات المطلوبة وتنسيق الجهود مع الجهات المختصة في تسلم هذه المساعدات وإيصالها إلى مستحقيها بالشكل المطلوب». وفي نيسان (أبريل) 2006 أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإرسال مساعدات إغاثية للمتضررين من زلزال ضرب محافظة لورستان الغربية، في إيران. وبدأت هذه المساعدات بطائرة تحمل 79 طناً من المواد الطبية والغذائية والخيام والبطاطين إلى مدينتي دورود وبروجرد في محافظة لورستان اللتين تعرضتا لزلزال أدى إلى مقتل وجرح عدد من أهالي المدينتين وتدمير المنشآت السكنية فيهما، ثم توالت المساعدات بعد ذلك. وأعرب رئيس دائرة الكوارث الطبيعية في وزارة الداخلية الإيرانية آنذاك عباس الجزائري، عن شكره وتقديره للسعودية حكومة وشعباً على هذه الوقفة الإنسانية، مثنياً على العلاقات المتينة بين البلدين.