تذكر كتب التاريخ أن اليابان اهتمت بالمشروع النهضوي التحديثي الذي قاده محمد علي باشا في مصر، إذ أدى إلى تحديث قوي فيها، وأسّس لصناعة كانت نادرة خارج جعرافيا الثورة الصناعية في الغرب. ويبدو ان التاريخ عبر دورات شديدة التعرّج، بحيث صارت اليابان في طليعة الدول الصناعية المتقدمة، فيما ظلّت مصر ضمن بلدان العالم الثالث. ولا بأس في ذلك نسبياً، لكن ثمة محاولة للإفادة من العلاقات العلمية بين بلاد النيل واليابان، ربما نجحت في نقل كثير من الحداثة والعلم إلى من بلاد الشمس الصفراء. في هذا السياق، يفتتح رئيس الحكومة المصرية الدكتور أحمد نظيف مطلع الشهر الجاري، المرحلة الأولى من «الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا». وأتاح الجانب الياباني منحة للمشروع تقدر بقرابة 170 مليون دولار، تشمل أجهزة ومعدات ومعامل وبرامج تدريب وتحديث وتطوير. واختيرت منطقة «برج العرب» لإستضافة هذه الجامعة، لوجود صناعات بتروكيماوية وأدوية في المنطقة التي تحتضن قرابة 15 في المئة من إجمالي تلك الصناعات في مصر. حضور متنوّع... وقالت وزيرة التعاون الدولي المصرية فايزة أبو النجا في تصريحات صحافية: «يتمثّل الهدف الأساسي من إقامة الجامعة في الافادة من الخبرة والتكنولوجيا وطرق التعليم اليابانية المتطورة، في مجالات التكنولوجيا المتخصصة والدقيقة التي تفوقت فيها اليابان... كما تسعى لإيجاد جسر ثقافي يربط بين البلدين لتجسيد عمق العلاقات التي تربط بينهما، لا سيما تأكيد أهمية دعم هذه الجامعة لتصبح مركزاً إقليمياً وعربياً للتميّز في التكنولوجيا، ما يساهم في تخريج قادة قادرين على النهوض بمستقبل مصر، وبناء اقتصاد يعتمد في الأساس على التقدّم تكنولوجياً». ولفتت أبو النجا النظر إلى أهمية إدخال معارف متقدمة لتحديث الإنتاج والتصنيع في مصر، «من خلال بحوث علمية تعتمد عليها الدراسة في الجامعة في شكل أساسي». وأضافت أن الجامعة «تضيف رمزاً جديداً إلى التعاون العملاق مع اليابان، الذي يظهر في رموز مثل «كوبري مبارك للسلام»، و «مستشفى الأطفال» في أبو الريش، و «دار الأوبرا المصرية»، و «المتحف المصري الكبير» الجاري تشييده حاضراً». وفي هذا السياق، تحدث سفير اليابان في مصر كاورو إيشيكاوا إلى الاعلام قائلاً: «جرى الاتفاق مع وزارة التعليم العالي والجهات المعنية بالبحث العلمي، على انطلاق الدراسة في «الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا» في آذار (مارس) المقبل. وسيكون مقرها موقّتاً، في «مدينة مبارك العلمية» في مدينة برج العرب بالإسكندرية». وتستهل الجامعة عملها بإطلاق الدراسات العليا في تخصّصات هندسة الإلكترونيات والاتصالات، وهندسة الميكاترونيك والروبوت، وموارد الطاقة والهندسة البيئية. وأوضح إيشيكاوا أن الجانب الياباني أرسل عدداً من أعضاء هيئات التدريس والخبراء المشهود لهم عالمياً للتدريس في الجامعة، مشيراً إلى أن العمل جارٍ راهناً على إنشاء المقر الدائم للجامعة، على الأرض التى خصّصتها الدولة (مساحتها 250 فداناً) لهذا الغرض في المدينة نفسها. ويذكر أن الجامعة المصرية - اليابانية تعتبر الوحيدة من نوعها التي بنتها اليابان خارج أراضيها، مع الإشارة الى أنها تهدف إلى نقل الخبرة والتكنولوجيا وطرق التعليم اليابانية المتطورة في مجالات التكنولوجيا المتخصصة والدقيقة. ولذلك يعتبر إنشاء الجامعة نقطة تحوّل تاريخي في العلاقات بين البلدين. وأوضحت الوزيرة أبو النجا أن الجامعة «تأتي تتويجاً لمفاوضات أجراها الجانبان لخمس سنوات، ابتدأت مع طرح فكرة إنشاء جامعة متخصصة في العلوم والتكنولوجيا بهدف الاستفادة من الخبرة والتكنولوجيا وطرق التعليم اليابانية المتطورة. وكذلك جاء إنشاء الجامعة في إطار برنامج المِنح اليابانية المقدّمة لمصر، ما يعني أن الجامعة ستكون حكومية باتفاق بين مصر واليابان، كما تساهم مصر في المشروع بقرابة 318 مليون جنيه من خلال صندوق تطوير التعليم، بطريقة لا ترتب أعباء كبيرة على الدولة، إذ التزم الجانب المصري بتوفير الأرض، إضافة إلى المباني والمنشآت والبنية التحتية». ونبّهت أبو النجا إلى أن المدينة عينها تشهد مشاريع اخرى للتعاون المصري - الياباني، مثل مشروع تطوير مطار «برج العرب» بقرض ميسّر من الحكومة اليابانية يبلغ 57 مليون دولار لمصلحة وزارة الطيران المدني، موضحة أن إجمالي المِنح اليابانية لمصر تعدت 1.5 بليون دولار. مزيج العلم والأعمال وفي سياق متصل، أوضح وزير التعليم العالي الدكتور هاني هلال ان الجامعة «تتميز عن غيرها من الجامعات العاملة في مصر من حيث مشاركة 11 من كبريات الجامعات اليابانية وثمانية من أفضل الجامعات المصرية في تنفيذها، إضافة إلى مشاركة تجمعات رجال الأعمال في مصر واليابان، خصوصاً «جمعية مستثمري برج العرب» والشركات اليابانية العاملة في مصر». وأضاف: «المرحلة الأولى من العام الأكاديمي ستتضمن الدراسة في كليتي الهندسة والإنسانيات والتجارة، اذ تضم أقسام الهندسة سبعة تخصصات، إضافة إلى أربعة مجالات في أقسام الإنسانيات والتجارة... وكذلك تحتوي الجامعة مركزاً بحثياً علمياً على أعلى مستوى، يتخصّص في خدمة البيئة المحلية». ولفت هلال إلى أن إنشاء الجامعة «يساهم في تغيير خريطة المنطقة التي تستضيفها بصورة جذرية، خصوصاً عِبر إدخال أساليب علمية وتكنولوجية يابانية حديثة فيها، وكذلك بأثر من التعاون بين «مدينة مبارك العلمية» والمجتمع الصناعي المتنامي في المدينة، مع هذه الجامعة». وأشار إلى أن «هذا النشاط المركّز والمتنامي علمياً وصناعياً وتكنولوجياً، يجعل من مدينة «برج العرب» قاعدة إنتاج كبرى تساهم في تعزيز الاقتصاد القومي في مصر». وأولت أبو النجا في اجتماعاتها مع المسؤولين اليابانيين في الآونة الأخيرة، أهمية خاصة للوقوف على آخر تطوّرات المشاريع المموّلة من الجانب الياباني، وتذليل أي عقبات قد تواجه تنفيذها. وفي هذا الصدد، جاء اجتماع أبو النجا أخيراً مع جايكا يامادا، المدير العام ل «إدارة الشرق الأوسط في هيئة اليابان للتعاون الدولي». وتناول الاجتماع سُبل تمويل المرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق، عِبر برنامج القروض اليابانية الميسرة، التي تتمتع بشروط تتفوق على ما تقدّمه أطراف أخرى من شركاء مصر في التنمية. وسبق لليابان أن موّلت دراسة الجدوى عن هذه المرحلة من مشروع المترو، عِبر منحة في إطار «برنامج دراسات التنمية اليابانية»، ووفقاً لاتفاق مع وزارة التعاون الدولي في مصر. ولفت السفير الياباني إلى عمق العلاقات المصرية - اليابانية «وما تحقق خلال الآونة الأخيرة من فهم مشترك لطبيعة هذه العلاقة بجوانبها المتعددة، خصوصاً في ضوء الأولويات التنموية للحكومة المصرية». وأشار إلى أن إجمالي المنح التي قدمها الجانب الياباني إلى مصر منذ عام 1973 يقدر بنحو 1.54 بليون دولار، استُعملت في تنفيذ ثلاثة من المشاريع الكبرى هي دار الأوبرا المصرية، وكوبري قناة السويس، ومستشفى الأطفال بأبو الريش الذي يجري حالياً التعاون مع الجانب الياباني لتمويل المرحلة الثانية منه. وكذلك تموّل اليابان كثيراً من مشاريع البنية التحتية والكهرباء والبيئة والمياه والري والصرف الصحي وتحسين وزيادة الإنتاج الغذائي وغيرها. وفي سياق متصل، يقدر إجمالي القروض اليابانية منذ عام 1974 بقرابة 4 بلايين دولار، استُخدِمت في تمويل مشاريع استراتيجية، مثل «محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية الحرارية بالتكامل مع الدورة المركبة بالكريمات 2» و «تحديث نُظُم التحكّم بالطاقة في صعيد مصر»، التابعين لوزارة الكهرباء والطاقة. والمشروعان يكلفان 95 مليون دولار و108 ملايين دولار على التوالي. كما قدّمت اليابان 37 مليون دولار ل «دعم المشاريع المتناهية الصغر» الخاضعة للصندوق الاجتماعي للتنمية.