بات الاقتناع راسخاً لدى العديد من المسؤولين والقوى السياسية في لبنان بأن أي اقتراح لتأجيل الانتخابات البلدية المقررة في أيار (مايو) المقبل، والذي يرغب بعض الفرقاء فيه من دون أن يفصح عن ذلك، لن يصدر عن الحكومة بعد إقرارها أمس كل الإصلاحات على قانون الانتخابات، وتأجيلها حسم مسالة تكليف هيئة الإشراف على الانتخابات الى جلسة مقبلة. وأكدت مصادر وزارية ل «الحياة» أنه «بات محسوماً أنه إذا كان التأجيل سيطرح فإنه سيكون على المجلس النيابي أن يبادر إليه، خصوصاً أن الأخير سيناقش الإصلاحات ويقرها، وبعد أن رفض رئيس الحكومة سعد الحريري تغطية أي تأجيل»، مشيرة الى أن موقفه هذا جاء في سياق لقاء عقد بينه وبين مساعد الأمين العام ل «حزب الله» حسين الخليل والمعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري، النائب علي حسن خليل، أول من أمس. وإذ ذكرت المصادر الوزارية أنهما ناقشا معه فكرة تأجيل الانتخابات فإن الحريري لا ينوي تكرار تجربة الامتناع عن إقرار التعديل الدستوري لخفض سن الاقتراع في البرلمان، بعدما كان وافق عليه في الحكومة. الى ذلك أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقريره الثاني عشر حول تطبيق القرار الدولي 1701 أن «الاحترام المستمر لوقف العمليات العدوانية بين إسرائيل ولبنان، سمح بتسجيل الفترة الأكثر استقراراً في علاقة الدولتين على مدى عقود»، لكنه حذّر من «هشاشة» الوضع بسبب «استخدام خطاب متصاعد وعدائي وتحذيرات متزايدة الحدة. كما حذر من تجدد الصراع والنطاق الواسع لأي مواجهة متجددة بسبب تطبيق الدروس العسكرية التي تعلمها الجانبان من نزاع 2006»، لافتا الى أن «مثل هذا المنطق يثير التوتر وينبغي تجنبه. لأنه يتناقض مع روح قرار 1701». (راجع ص 6 و7) وعلمت «الحياة» أنه غلب على النقاش الذي جرى في جلسة مجلس الوزراء الجانب التقني المتعلق بتطبيق الإصلاحات. وأوضحت مصادر وزارية أن مواقف بعض الوزراء سعت الى إعادة النظر في بعض ما سبق أن اتفق عليه وأنه لم يقترح أي من الوزراء تأجيل الانتخابات على رغم ما يتردد خارج مجلس الوزراء عن رغبة أطراف في التأجيل إلا أنه جرى تناول الموضوع من زاوية تأكيد الرئيس ميشال سليمان على وجوب إجرائها في موعدها، ومن زاوية إثارة وزير الأشغال والنقل غازي العريضي السؤال عما إذا كان بعض الأطراف يريد أن تحصل مذكراً بتساؤله في هذا الصدد منذ بداية مناقشة الإصلاحات الشهر الماضي. وذكرت مصادر وزارية متعددة ل «الحياة» أن الحريري أراد من مداخلته في بداية الجلسة، والتي ركز فيها على الموازنة التي وعد بطرحها على جلسة مجلس الوزراء المقبلة، التأكيد على رفضه «المزايدات، لا سيما في الشارع، من أطراف موجودين على هذه الطاولة وخارجها، كما بدأنا نرى» (مشيراً بذلك الى إضرابات حصلت في الأيام الأخيرة، لا سيما للأساتذة الثانويين). وشدد الحريري على «أننا كحكومة وحدة وطنية ينتظر الناس منا كما وعدناهم، ومن الوزارات، أن نحقق مطالبهم في الكهرباء والمياه والقضايا الحياتية. وهذا تحد ليعرف الناس إذا كانت الحكومة ستكون فاعلة، من خلال مناقشة موضوع الموازنة». كما لمح الحريري الى أنه سيكون له موقف حيال أي مزايدات إذا ظهر ذلك من خلال اجتماعه الثلثاء المقبل الى ذوي ضحايا الطائرة الأثيوبية المنكوبة «التي عالجتها الدولة والحكومة من دون أي تقصير وباندفاع كبير نظراً الى أن لبنان تعرض الى كارثة وطنية لم يسبق أن واجه مثلها وتعاطى معها بكفاءة على رغم أن لا خبرة لأجهزته في معالجة كوارث من هذا النوع». ولمح الحريري أيضاً الى تحريض البعض لعدد من ذوي الضحايا على الدولة. وقالت المصادر إن لدى رئيس الحكومة معلومات عن محاولات لدفع الأهالي الى اتهام الدولة بالتقصير. وكانت مناقشة الإصلاحات بدأت باقتراح لوزير الخارجية علي الشامي اشترط فيه ربط تطبيق النسبية في الانتخابات البلدية بتطبيقها في الانتخابات النيابية العام 2013، ما اضطر الرئيس سليمان الى القول مازحاً: «يجب أن نطبق النسبية أيضاً هنا في مجلس الوزراء... وأين ما كان أليس كذلك؟». وقال وزير التنمية الإدارية محمد فنيش إنه تبين أن هناك صعوبة في تطبيق النسبية في المجالس البلدية في القرى الصغرى داعياً الى تطبيقها في البلديات الكبرى فقط، لكن وزير الدولة جان أوغاسبيان اعترض وقال: «اتفقنا على اعتمادها في كل لبنان ولا يجوز العودة الى التمييز في هذا الموضوع». وكان لوزراء آخرين منهم وزير الإعلام طارق متري موقف بالإصرار على النسبية في كل لبنان كما اتفق عليه الأسبوع الماضي. وأشار وزير الطاقة جبران باسيل الى الارتياح الى سير الحريري بالنسبية «. وأدلى العريضي بمداخلة طويلة قال فيها: «الناس تقول في الخارج إنه بعد أكثر من 10 جلسات لبحث الإصلاحات ستنتهي الى عدم إجراء الانتخابات نظراً الى عدم رغبة بعض الأطراف فيها. وأنا أكرر وقوفي ضد النسبية لاستحالة تطبيقها على العائلات والفئات في القرى، مع الشكر للرئيس سليمان لإصراره على إجراء الانتخابات في موعدها. لكن المعلومات عن أن أطرافاً لا يريدونها ما زالت قائمة، وعدم إجرائها بعد كل هذا الجهد ليس إيجابياً على الإطلاق للحكومة أمام الناس». وأوضحت مصادر وزارية أن مجلس الوزراء ناقش المعلومات التي نشرت عن أن السفارة الأميركية طلبت التنصت على المكالمات الهاتفية وأن المروحيات الأميركية ما زالت تهبط في حرم السفارة من دون إذن من السلطة اللبنانية... وأوضحت أن الرئيس سليمان نفى تنصت السفارة، وأكد أن هبوط المروحيات الأميركية في السفارة لم يعد يحصل عندما كان قائداً للجيش العام 2008 و «هذا مختلف بالكامل». كما أوضح الوزير بارود أن ما وصف بأنه تنصت لم يكن سوى طلب لملء استمارة في شأن الحصول على «داتا» الاتصالات في إطار التدريب على مكافحة الإرهاب والتخابر من ضمن برنامج أميركي لقوى الأمن الداخلي وأنه حين رفض وزير الاتصالات الطلب لم تتم تلبيته. وأكد وزير الاتصالات السابق باسيل صحة ذلك وأنه سبق أن رفض طلبات الحصول على «داتا» وتنصت، من جهات أمنية وقضائية لبنانية وقدم شكاوى في هذا الشأن وبالتالي لم يحصل تنصت خارج إطار القانون، «لكن ماذا يجري خارج هذا الإطار؟ لا أعرف».