هل يعقل ان تكون كل المبادرات الأميركية الإيجابية في اتجاه ايران مجانية؟ أم انها مؤشرات الى تفاهم غير معلن يمهد لاتفاق لا يقتل الذئب ولا يُفني الغنم؟ وهل «تسليم» زعيم «جند الله» الى طهران جزء من هذه الصفقة المرتقبة؟ بعيداً من نظرية «المؤامرة» المحببة الى نفوس الكثيرين، ثمة مسار واضح لمقاربة الإدارة الأميركية الحالية للملف الإيراني بكل أبعاده. مسار إيجابي تتخلله مساومات وضغوط وتبادل ضربات او هدايا، لكنه لا يخرج عن خطه المرسوم. فمنذ اليوم الأول لوصوله الى البيت الأبيض، اعتبر اوباما ان ايران دولة ذات دور محوري في الإقليم وان الصدام معها سيكون مكلفاً كثيراً للولايات المتحدة وأيضاً لدول المنطقة، خصوصاً وان هدفه المرحلي الرئيسي فك الاشتباك الأميركي في كل من العراق وافغانستان وتأمين الخروج من هذين البلدين بأقل خسائر ممكنة. وهو يرى ليس فقط ان عدم الذهاب الى صدام مع ايران يمكن ان يسهل تحقيق هدفه، بل ان مهادنة طهران يمكن ان تساعده كثيراً في ذلك. لكن كيف تظهر واشنطن حسن نواياها؟ أولاً بالضغط على اسرائيل لمنعها من توجيه اي ضربة عسكرية الى المواقع النووية الإيرانية يمكن ان تشعل المنطقة كلها وتقلب الحسابات والخطط الأميركية رأساً على عقب. ولهذا يتقاطر الموفدون الأميركيون المدنيون والعسكريون الى الدولة العبرية ناقلين التحذيرات من مغبة القيام بمثل هذه المغامرة، وكان آخرهم رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي مايكل مولن الذي شدد على ان اي ضربة عسكرية لإيران ستؤخر فقط برنامجها النووي لكنها لن تزيله. وقال مولن ايضاً ان اسرائيل «لم تقدم ضمانات» الى واشنطن بعدم اللجوء الى الخيار العسكري، وهذا ضروري طبعاً لتذكير الإيرانيين بأن الولاياتالمتحدة هي التي تحول دون توجيه ضربة اليهم. اما التهديد بمزيد من العقوبات الاقتصادية وحشد التأييد الديبلوماسي لها، فيدخل في إطار الضغوط السلمية التي يأمل الأميركيون عبرها في إقناع إيران بالسير في تسوية للملف النووي، ويرسلون لذلك موفدين إقليميين مثل وزير الخارجية التركي الى طهران ناقلين افكاراً اميركية لصوغ ارضية مشتركة للحل. وثانياً عبر التفاهم في العراق. وهنا يبدو اقتسام النفوذ واضحاً بين الأميركيين والإيرانيين، رغم شد الحبال لتحسين «حصة» كل طرف، حيث تلعب واشنطن دور المدافع عن السنة العراقيين وعن دورهم في الحياة السياسية مع استبعاد المتشددين ضد ايران منهم، لقاء قبول طهران باستبدال الشيعة الذين لا يحظون بإجماع عراقي ولا بتأييد عربي. وقد يسفر هذا التفاهم عن رسم خريطة سياسية جديدة للعراق تحت قيادة معتدلة. اما «الهدايا»، فكان آخرها على ما يبدو عبدالله ريغي الذي تتهمه ايران بالمسؤولية عن تفجيرات مؤلمة أودى احدها بعدد من قيادات «الحرس الثوري» في زهدان قبل شهور. ومع ان تفاصيل عملية التسلم والتسليم لم تكشف بعد، كان لافتاً الترحيب البريطاني الحار وبلا تحفظ بالقبض على «ارهابي نفذ هجمات حقيرة»، مع العلم ان تظاهرات الإيرانيين من انصار النظام لا تتوقف امام السفارة البريطانية في طهران، وان نواباً قدموا الشهر الماضي اقتراحاً بقطع العلاقات مع لندن. والى ان تتبلور الصيغة النهائية للتسوية الشاملة بين ادارتي اوباما وخامنئي، تستمر الاتهامات المتبادلة والتصريحات النارية والمواقف المتعنتة، وهي جزء ضروري من «عدة» الاتفاق.