بكلمات متلعثمة قال: «أنا اسمي علاء زيبق، بطل، رفعت علم سورية في الصين، شكراً أختي رنا»، بينما كان واقفاً على منصة مؤتمر صحافي للأولمبياد الخاص في دورته السابعة. جلست رنا، بين الصحافيين، تفرك يديها وهي تنظر إلى علاء محاولة رسم ابتسامة تطمئن بها أخاها لئلا يقع في موقف محرج. وبينما تنقّلت العدسات بين الرئيس الإقليمي للأولمبياد الخاص (أي لذوي الحاجات الخاصة)، أيمن عبد الوهاب، ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ديالا حاج عارف، بقيت عينا الأخت الكبيرة مثبّتتين على أخيها. علاء هو الأصغر في عائلة مؤلفة من أختين وأخ، في الثالثة والعشرين من عمره. في ذلك اليوم من عام 1987، خرجت الطبيبة من غرفة التوليد لتخبر أسرته بأن فردها الجديد «منغولي» (معوّق ذهنياً). الحنان يزيل كل تعقيد لم تكن العائلة تعرف معنى أن يكون ابنها «منغولياً» أو مصاباً ب «متلازمة داون»، فبدأ الأب يبحث في عيادات الأطباء عن أمل، ويدرس حالة ابنه «المختلف»، بينما رفضت الأم أن تعامله وفقاً لهذا التوصيف. وتقول رنا: «تربّى علاء بيننا ومثلنا مع عناية إضافية، حتى أننا كنا نمتنع عن زيارة الأقارب والأصحاب الذين يرفضون مجيئه معنا بحجة أن أولادهم يخافون منه». وفي سنته السادسة، انضم علاء الى روضة «جمعية الرجاء للمعوقين» ولكنه لم يستطع أن يتجاوز الصف الأول. وفي تلك السنة، سمعت رنا عن الأولمبياد الخاص فتطوعت فيه لتدخل أخاها إلى الملعب. ومذ ذاك، حصد علاء 5 ميداليات ذهبية وثلاث فضيّات وبرونزيتين في المباريات الإقليمية والعالمية التي شارك فيها برمي الكلّة (الكرة الحديد) والركض، ثم تخصّص بالسباحة، وأحرز ذهبية بطولة الصين في 2007. وعلاء سيكون لاعباً من بين 2300، من جميع الدول الأعضاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، البالغ عددها 23، التي ستشارك في دورة الألعاب الإقليمية السابعة للأولمبياد الخاص في دمشق أيلول (سبتمبر) المقبل. وهذه السنة، تحوّل الأولمبياد رسمياً من حدث رياضي إلى اجتماعي، بنقل تبعيته من الاتحاد الرياضي العام إلى المجلس المركزي للمعوقين «لأن المعوقين يحتاجون إلى أكثر من رياضة، ولتحقيق خطة سورية بدمج المعوق في المجتمع»، كما أشارت رئيسة المجلس، ديالا حاج عارف. أول «منغولي» في العالم شرطياً للمرور «على رغم عجزه عن القراءة، يميّز علاء الميكرو باص الذي يحتاج إلى ركوبه من اللون وشكل الكتابة، فيكفي أن نذهب معه مرة إلى مكان ما حتى يعرف كيف يصل إليه بمفرده»، تشير رنا. المشي في الشارع واستخدام وسائل النقل، ليسا شغف علاء الوحيد، فذلك العنصر من ذوي الكفوف البيضاء الذي يتحكم بحركة السيارات لطالما أثار اهتمامه. وفي العيد العالمي للمرور، في الرابع من أيار (مايو)، ارتدى علاء بزة شرطي مرور، ونزل إلى ساحة يوسف العظمة، وسط دمشق، ليكون لساعة، أول شرطي مرور مصاب ب «متلازمة داون» في العالم. وتذكر رنا أنه منذ صغره كان يراقب شرطة المرور باهتمام ويحلم بأن يسيّر السيارات بإشارة منه. وعندما كرّمته السيدة الأولى أسماء الأسد بعد عودته من دبي عام 2007، طلب منها أن يصبح شرطي مرور وحققت له حلمه». «لا يمكن تخيّل سعادته، كان يخبر كل شرطي مرور بأنه مثله، وعنده بزة تثبت ذلك»، كما تقول رنا، وتبحث عن علاء ليسمع إلى ما ستختم به حديثها، تعانقه ثم تضيف: «علاء هو هدية الله لنا ونحن فخورون به جداً». علاء هو طفل محظوظ مقارنة بأمثاله، الذين يشكلون 10 في المئة من نسبة المعوّقين. ويولد طفل مصاب بالمتلازمة من كل 800 ولادة، أما نسبة المعوقين الإجمالية فهي 10 في المئة من تعداد السكان السوريين، بحسب منظمة الصحة العالمية. ويصل عدد الجمعيات المدنية التي تعنى بالمعوقين إلى نحو 85، يتجه أغلبها نحو التوعية أو حضانة ذوي الحاجات الخاصة، من دون العمل على تعليمهم وتدربيهم، نتيجة تدّني دخلها. وعلى رغم احتضان سورية للأولمبياد الخاص للمرة الثانية، وإصدار قانون لذوي الحاجات الخاصة، وتشكيل المجلس المركزي للمعوقين، ما زالت الطرق والمرافق العامة السورية غير مهيئة لهذه لفئة من المواطنين. وتم أخيراً تركيب مؤشر صوتي، عند بعض إشارات المرور في دمشق، ليدل المكفوفين الى توقيت قطعهم للشارع. ويذكر أن «منغولي» هو التسمية الشائعة للمصابين بالإعاقات الذهنية، إلا أن دولة منغوليا اشتكت من هذه التسمية إلى الأممالمتحدة، فتغيّرت منذ السبعينات، رسمياً، إلى «متلازمة داون»، نسبة إلى اسم الطبيب الانكليزي جون داون الذي قدم في 1865، أول وصف مفصل عن أطفال مصابين بها.