سيتذكر المشاهدون العرب طويلاً تلك اللقطات التي بثّتها ولا تزال القنوات الفضائية العربية والعالمية، لمنفذي عملية اغتيال المسؤول الحمساوي محمود المبحوح في دبي. هي لقطات وضعت مشاهدي الشاشة الصغيرة أمام القتلة وهم في حركتهم «العادية»، أي تماماً وهم في مظهر لا يدلُ على شيء استثنائي أو غير مألوف. وهي أيضاً قدّمت نموذجاً حيّاً، ساطعاً وبالغ التأثير على العلاقة الناجحة بين عدسات التصوير في إمارة دبي، وبين الشاشات الفضائية، وما حقّقته من سبق صاعق وضع الدولة العبرية بكلّ أجهزتها الرّسمية في مأزق، لأنها وضعت الجريمة وأبطالها أمام رؤية المشاهدين المباشرة. لقطات جعلت الناس في البيوت يقفزون من موقع المشاهدين المتلقين، إلى نوع جديد من «شهود عيان» وإن لم يحضروا في مسرح الجريمة، ولم تقع أعينهم على أفراد المجموعة المنفّذة. ولأن عين الكاميرا قدمت كل ذلك بقوة وفاعلية فقد تفاعلت الجريمة بسرعة، وذهبت تأثيراتها حيث يجب أن تذهب: البحث عن أصحاب تلك الوجوه والملامح التي شاهدها الملايين في العالم، وهم الذين غادروا من مطار دبي الدولي إلى مطارات أوروبية وآسيوية معروفة ومحدّدة ويمكن حضّ حكوماتها على المساعدة في ملاحقة أصحاب تلك الوجوه والملامح للقبض عليهم وتقديمهم للعدالة. هنا أيضاً لعبت «الكاميرا الخفية» دور البطولة، أو لنقل الدور الأبرز، والذي استكملته في الشاشات الصغيرة التي انتقلت فوراً لبثّ الحدث – الجريمة، والحدث – السبق الإعلامي الذي يستقطب أعداداً لا تحصى من المشاهدين. حدث ذلك كلّه بفنيّات عالية جعلتنا مجدداً أمام فضيحة كبرى لجهاز أمني طالما قيلت في وصفه مبالغات ذهبت إلى حد اعتباره قوّة خفيّة لا يقدر على مواجهتها أحد، وتستطيع يدها أن تضرب في أي مكان وزمان تريد... ناهيك عن الوصف التقليدي للإعلام الإسرائيلي لعمليات الموساد بأنها «عمليات نظيفة» لا تترك أثراً أو بصمات جريمة على رغم أنها مكشوفة سياسياً ويعرف الجميع مرتكبيها، وهو ما لم يتحقّق هذه المرّة... بل لا نبالغ إذ نقول إنها فضيحة كبرى تعود بنا مجدداً إلى فضيحة لافون سنوات الخمسينات. هي الكاميرا، لكنها أيضاً الشاشة، ولم لا، ألسنا في «عصر الصورة»؟