افترضت بحوث العِلم دوماً أنّ الجينات المتصلة بموت الخلايا، تختلف بين الحيوانات والبشر والنباتات. وأخيراً، تعاونت فرق بحوث دوليّة، من بينها فريق في الجامعة السويديّة لعلوم الزراعة، في دراسة أقسام الشيفرة الجينية المتصلة بموت الخلايا لدى النباتات والحيوانات والبشر. ووجدوا ان تلك الأجزاء مُبرمجة بالطريقة نفسها، عند النبات والحيوان والإنسان، ما يعني أن موتها يحدث بطريقة متشابهة. نُشِرَت هذه النتائج في مجلّة «نايتشر سلّ بيولوجي»، في أواخر العام المنصرم. من المهمّ أنّ خلايا النباتات والحيوانات والبشر تتطوّر وتموت وفق طرق منظّمة، وتُدعى العمليّة التي تموت من خلالها الخلايا «موت الخليّة المبرمج» Programmed Cell Death . ويتصل الخلل في تلك البرامج مع حدوث أمراض مثل السرطان الذي يحدث جرّاء الانخفاض في معدل موت الخلايا في نسيج معين، فتواصل التكاثر على حساب خلايا الجسم الأخرى. ويحدث شيء مُشابه أيضاً في اضطرابات عصبيّة مثل شلل «باركنسون» الذي يتميّز بموت عدد كبير من الخلايا. وعملت فرق البحوث مجتمعةً على نشر هذه النتائج، مع ملاحظة أن تلك الفرق جاءت من المؤسسات التالية: «جامعة العلوم الزراعيّة»، و «معهد كارولينسكا» (السويد)، وجامعات «دورهام» (بريطانيا) و «تامبر» (فنلندا) و «مالاغا» (إسبانيا). وعملت الفرق تحت إدارة بيتر بوزكوف، الذي يعمل في «جامعة العلوم الزراعيّة» السويدية. وأجرى العلماء دراسات مقارنة على بروتين متخصص في الحفاظ على حيوية الخلية، ويعتقد أنه أصيل في تطوّرها أيضاً، evolutionarily conserved protein اسمه «تودور – أس أن» TUDOR-SN. وتبيّن انه يتواجد في خلايا الفئران والبشر والنباتات. وجاء في خلاصة الدراسة أن خلايا الحيوان والنبات التي تخضع لموت خلايا مبرمج، تظهر فيها مواد مُساعِدة («انزيمات» Enzymes)، مهمتها تفكيك بروتين «تودور- أس أن»، ما يؤدي الى فقدان دوره كحافظ لحيوية الخلايا. وتنتمي هذه الانزيمات في خلايا الحيوان والإنسان، إلى عائلة من البروتينات، تُدعى «انزيم كاسبيز». في المقابل، لا تحتوي خلايا النبات على ال «كاسباس»، لكنها تضم انزيماً آخر يعرف باسم «انزيم ميتا كاسبيز»، الذي يعمل على تفكيك بروتين تودور- أس أن». ولوحظ أن «انزيم ميتا كاسبيز» يُعَدّ من أجداد «انزيم كاسبيز» الموجود لدى الحيوانات والبشر. وللمرّة الأولى، استطاع العلماء إثبات أنّ بروتين «تودور – أس أن» يتحلّل بفعل أنزيمات متشابهة خلايا النبات والحيوان والإنسان، وأنّ تفكّك بروتين «تودور – أس أن» يبطل وظيفته في المحافظة على الحياة. وبالتالي، يكون العلماء اكتشفوا علاقة إضافيّة بين النبات والحيوان، وكذلك من المستطاع الاستفادة من نتائج هذه الدراسة للتعمّق في دراسة عائلة بروتين «تودور- أس أن» ودورها في حياة الخلايا وموتها. وغالباً ما تُصاب الخلايا التي تعاني نقصاً في بروتين «تودور – أس أن»، من تبكير في الموت المبرمج للخلايا، إضافة إلى أنّ الدراسات الوظيفيّة على مستوى الجسم أظهرت أنّ هذا البروتين ضروريّ أيضاً في تطوّر الجنين ومسار عملية تخصيب بويضة الأنثى من الحيوان المنوي للذكر. واستنتج العلماء من هذه النتائج أنّ بروتين «تودور – أس أن» مهمّ في تفادي إطلاق عملية موت الخلايا المبرمج في أنسجة الجسم المختلفة، عند الكائنات الحيّة المتطوّرة. وشدّدت فرق البحوث أيضاً على أنّ هذه النتائج تشير إلى وجود برامج متصلة بموت الخلايا، منذ بداية تطوّر الكائن الحيّ، وحتّى قبل أن تنقسم البويضة الملقّحة الى خطوط الخلايا التي تتشكل منها أنسجة النبات والحيوان والإنسان. وكذلك أظهر عمل الفرق أهميّة الدراسات المقارنة التي تشمل أنواع مختلفة من الكائنات الحية، في تعميق فهم العلماء للآليّات الأساسيّة في الخليّة الحيّة، عند النباتات والحيوانات والبشر.