عنوان صحافي جديد انضم أخيراً إلى ركب المطبوعات العلمية – الثقافية العربية، غايته تبسيط العلوم والمعارف الإنسانية وتقديمها إلى الطلاب العرب في قالب عصري يحفز الجيل الشاب على القراءة. تمضي سيلفانا كرم (27 سنة) نحو ست ساعات يومياً أمام جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بها. تبحث عن معلومة هنا أو بحث هناك... من مصادر علمية تعتبرها موثوقة. كرم المقيمة في لندن منذ 6 سنوات والتي تحمل شهادتي ليسانس، الأولى في الصحافة والثانية في التربية، انضمت منذ سنة تقريباً إلى فريق مؤلف من حوالى 40 صحافياً وباحثاً وخبيراً متخصصاً في المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية والتربوية في لندن وباريس وواشنطن وموسكو وجنيف وروما وأثينا وأنقرة وطهران وبيروت والقاهرة... تحضيراً لمشروع صحافي عربي أبصر النور أخيراً. يحمل المشروع اسم «أبجد»، وهو مجلة علمية ثقافية شهرية موجهة إلى الطلاب العرب في المرحلتين المتوسطة (التكميلية) والثانوية. وتكمن «فرادة المجلة وتميّزها» - بحسب كرم - في أنها «تضاهي في مستواها، مضموناً وشكلاً، مثيلاتها في أوروبا والولاياتالمتحدة الأميركية، مثل مجلات «سيانس إيه في جونيور» (فرنسا) و «تايم فور ستيودنتس» (تشيخيا) و «نيوزويك فور ستيودنتس» (الولاياتالمتحدة) وغيرها من المجلات التي تخاطب الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 سنة». لكنها تستدرك قائلة: «حتى طلاب الجامعات يرون فيها فائدة علمية - ثقافية، بسبب جدية الموضوعات المطروحة وشمولية المحتوى ككل». استغرق الإعداد ل «أبجد» نحو ثلاث سنوات في أربع عواصم أساسية: واشنطنولندن وباريس وبيروت. وكانت فكرة المجلة ولدت من «الحاجة الملحّة إلى وسيلة إعلامية تخاطب عقول الشباب العرب، بعيداً من غرائزهم»، بحسب تعبير رئيسة التحرير التنفيذية للمجلة آرليت ساروفيم التي تعمل في المجلة من باريس. وتلفت ساروفيم إلى وجود مئات المجلات العربية الموجهة إلى الشباب من باب الفن (غناء، رقص... تمثيل)، فيما المضمون العلمي الثقافي الجاد غائب تماماً، متسائلة: «من قال ان الشباب العرب لا تجذبهم إلا المجلات الفنية أو الترفيهية؟»، معتبرة ان «الغالبية الساحقة من المجلات العلمية العربية موجهة إلى العلماء أو الباحثين بمضمون جاف ولغة جامدة لا يفهمها سوى أهل الاختصاص». تقع مجلة «أبجد» في 68 صفحة من الحجم الكبير والعريض، وتتنوع أبوابها العلمية والثقافية في شتى المجالات، وتتضمن عناوين جاذبة لكل الأعمار، مثل: «لماذا نهوى أفلام الرعب؟» و «الهاربون من المناخ» و «أفضل عشرين اختراعاً لسنة 2009» و «كيف توفي البحر الميت؟» و «حرب نجوم على البعوض» و «نباتات لتنظيف التربة» و «البحث عن حياة خارج الأرض» و «عشر حقائق مجهولة عن رحلة أبولو 11» و «آخر أيام نابوليون» و «كيف تقرأ بذكاء» و «الطيران من عباس بن فرناس إلى الكونكورد» و «سرّ شهرة وكالة رويترز للأنباء» و «الصداقة أجمل الفيروسات وأخطرها» و «طرزان أول الأبطال» و «الشوكولا أطيب الأدوية» و «اكتشف أسرار الرسم إلكترونياً»... وسواها من الموضوعات. ترفع «أبجد» شعار «موسوعة في مجلة»، إذ «لا مساحة فيها للرأي أو التنظير، بل معلومات مكثفة وموضوعات حيوية وتلامس حياتنا اليومية»، بحسب تعبير ساروفيم التي توضح ان «أبجد» لا تشبه سواها من المجلات العربية، «فهي ليست للأطفال، كما انها ليست مجلة علمية للمتخصصين»، مؤكدة انها مجلة للطلاب «تقدم إليهم مفاتيح المعرفة في شتى المجالات والميادين في قالب عصري أنيق وجذاب يغري الطالب بالمطالعة، ويحرّك فيه فضول البحث والاستقصاء... وصولاً إلى لذة الاكتشاف ونشوة المعرفة». ولعل أهم ما يميز المجلة، إلى مضمونها، إخراجها الذي يحاكي المجلات الأوروبية. فال «ماكيت» الأساسية للمجلة وضعت في باريس، ثم جرى تطويرها في لندن وجنيف. ويقول المشرف الفني على المجلة توماس يونغ: «ندرك ان فئة الشباب بعيدة من عالم المجلات المطبوعة، بعد طغيان وسائل الإعلام المرئية والالكترونية. لذلك كان لا بد من وضع خطوط عريضة لإخراج المجلة من النمطية المعتمدة في المجلات العربية. إنه نوع من الإبهار البصري الذي يدفع القارئ، أياً كان عمره، إلى المطالعة بمتعة في زمن يعزف فيه الجميع عن القراءة». في المقابل، ثمة من يأخذ على المجلة ان موضوعاتها غير موقعة بأسماء كتابها. لكن ساروفيم لا ترى مشكلة في الأمر، «إذ هناك مجلات مهمة في العالم تتبع هذا الأسلوب، مثل مجلة «إيكونوميست» الاسبوعية الاقتصادية البريطانية العريقة»، موضحة أن كل موضوع في «أبجد» يمر بأربع مراحل على أقل تقدير، ويساهم فيه ما لا يقل عن خمسة أشخاص، بدءاً من الفكرة مروراً بالترجمة وإجراء البحوث المعمقة حولها من مصادر موثوقة، وصولاً إلى اختصار المادة وتبسيطها علمياً... قبل تحريرها في شكلها النهائي، «وبالتالي، فإن البصمة الشخصية غائبة، باستثناء الموضوعات التي يكتبها صحافيون أو باحثون من خارج أسرة المجلة، وتكون موقّعة بأسمائهم». عشرون ألف نسخة هي الكمية التي انطلقت بها مجلة «أبجد» في عددها الأول، والذي صدر هذا الشهر من بيروت، بعدما كان مقرراً ان تصدر المجلة من دبي. «لكن الأزمة الاقتصادية التي هزّت الإمارة قبل أشهر، جعلت المشروع ينتقل إلى بيروت في مراحله الأخيرة»، على ما تقول مديرة العلاقات العامة في المجلة فرح شندب، موضحة ان استراتيجية تسويق «أبجد» تقوم على إيصالها إلى الطالب حيثما كان بالتنسيق مع إدارة جامعته أو مدرسته، «إذ تشير الإحصاءات إلى ان نسبة ضئيلة جداً من جيل الشباب تتوجه إلى المكتبات لشراء مجلة أو حتى كتاب مفيد. وبالتالي، لن ننتظر هؤلاء حتى يعثروا علينا مصادفة في المكتبة، بل نحن سنذهب إليهم حيثما وُجدوا، وذلك على غرار المجلات الغربية المماثلة التي تطرق باب الطالب في مدرسته أو جامعته». وتلفت إلى ان الخطة المستقبلية ل «أبجد» هي الدخول إلى بلدان عربية أخرى، كالسعودية والإمارات وسلطنة عمان... لتصبح بعد سنوات قليلة «مجلة الطلاب العرب الأولى من المحيط إلى الخليج». وتصف شندب مهمتها ب «التحدي الكبير»، هي التي يمتد يوم عملها أحياناً إلى 12 ساعة. تقول: «نحن مصممون على النجاح والتميز، على رغم اعترافنا بأن طريقنا طويلة ووعرة، وأننا نتسلق قمة شاهقة. لكن من يتهيّب صعود الجبال... يعش أبد الدهر بين الحفر».