خطآن عربيان حتى الآن في مواجهة جريمة اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح. الأول اعتبار السلطات الأمنية في دبي ان الذين نفذوا الجريمة «أغبياء» لأنهم تركوا كل هذه الآثار التي تدل اليهم، والثاني تهديد احد قياديي الحركة الاسلامية المستهدفة محمود الزهار بنقل المعركة مع اسرائيل الى الخارج. فمن الواضح انه لا يمكن ان يخفى على جهاز متمرس في القتل والعمليات الخاصة مثل الموساد وجود كاميرات مراقبة في كل مكان في دبي، ولا بد ان عناصره استكشفوا الفندق حيث جرت الجريمة واطلعوا على تفاصيله واسراره، خصوصاً أن المبحوح سبق ان نزل فيه اكثر من مرة، ولا بد انه كان ملاحقاً خلالها ولمدة طويلة الى ان صدر أمر تصفيته. بل يمكن القول ان استخدام جوازات أوروبية تبين انها غير مزورة كما ادعت سلطات بريطانيا وارلندا وفرنسا، بشكل يكشف هوية اصحابها الحقيقيين ومصدرها الاسرائيلي، كون جميع هؤلاء او معظمهم يقيم في اسرائيل نفسها، يدعو للتساؤل عن السبب الذي يجعل الموساد «يتساهل» الى هذا الحد في أمن عملية بهذه الأهمية، حتى وصل الأمر به، بحسب صحيفة بريطانية، الى ابلاغ السلطات في لندن بنيته استخدام جوازاتها في عملية «ما وراء البحار». المعروف ان مستوى التأييد لاسرائيل في العالم شهد في السنوات الاخيرة انخفاضاً ملحوظاً، لا سيما بعد حرب غزة التي جعلت الدولة العبرية موضع ادانة الرأي العام الدولي، بينما تحظى «حماس» والقطاع المحاصر بالتعاطف. والمعروف أيضاً ان ثمة ملاحقات قضائية في عدد من الدول الأوروبية للقادة الاسرائيليين العسكريين والمدنيين المسؤولين عن القصف الوحشي على غزة بأسلحة محرمة دولياً، وأن هؤلاء باتوا مضطرين للحصول على ضمانات بعدم اعتقالهم كلما ارادوا السفر الى عاصمة اوروبية. وساعد في هذا «الانقلاب» تقرير غولدستون الذي أثار غضب اسرائيل والذي يعود الى الجمعية العامة للامم المتحدة الاسبوع المقبل بناء لمشروع قرار عربي يطالب كلاً من الحكومة الاسرائيلية وحركة «حماس» بإجراء «تحقيقات مستقلة وذات صدقية طبقاً للمعايير الدولية في الخروق الخطيرة للقانون الانساني والدولي وحقوق الانسان» الواردة في التقرير من أجل «ضمان المحاسبة والعدالة». وربما ينتقل الموضوع برمته الى مجلس الأمن اذا رأى الامين العام للمنظمة الدولية ان هناك تلكؤاً في تنفيذه. وفي الوقت الذي يثير الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة استياء الاميركيين والاوروبيين ويستدعي ضغوطهم ودعواتهم الى تجميده الذي تشترطه السلطة الفلسطينية لاستئناف اي نوع من المفاوضات مع اسرائيل، يشعر الاسرائيليون بالقلق من تراجع قدرتهم على نعت الفلسطينيين ب «الارهاب» ونسبة سعيهم لنيل حقوقهم المشروعة اليه. والفضل في ذلك يعود الى القرار الذي اتخذه الراحل ياسر عرفات عشية الانتفاضة الأولى بنقل المواجهة مع اسرائيل الى الداخل الفلسطيني، وحظر اي عمليات خارجية. ولعل في «العلنية» التي نفذت بها اسرائيل اغتيال المبحوح دعوة مفتوحة الى «حماس» للرد باغتيال مماثل ربما، يعيد اليها ورقة فقدتها، ويمنحها الذريعة والمبرر لمواصلة جرائمها، ويقوض التعاطف الدولي المتنامي، ولو ببطء، مع الشعب الفلسطيني، ويساعدها في حملتها لتشويه سمعة السلطة الفلسطينية وتصويرها على انها مجموعة من «الفاسدين». ولا يمكن اعتبار كلام الزهار عن ان «حماس» ستحارب اسرائيل في الملعب نفسه وسترد عليها في الدول الاوروبية التي استخدمت جوازات سفرها في حال لم تعمل هذه الدول على منعها من استخدام اراضيها في حربها على الحركة»، سوى استجابة غير واعية للاستدراج الاسرائيلي. وكل ما نأمله ان لا يتوج ذلك فعلاً بخطأ ثالث قد تكون عواقبه مميتة.