صادق ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أخيراً على قانون الحماية من العنف الأسري الذي انتظره المجتمع المدني سنوات ليرى النور. إلا أن بعضهم يرى في القانون الذي أجمعت الجهات على أهميته نواقص وعيوب يجب تداركها وإصلاحها حتى تتحقق الحماية المنشودة. وأوضحت المحامية دلال الزايد عضو المجلس الأعلى للمرأة ل «الحياة»، أن القانون صدر «نتيجة جهود متضافرة بذلت من قبل المجلس الأعلى للمرأة بقيادة رئيسته عقيلة الملك الأميرة الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، وأعضاء السلطة التشريعية ومشاركة الجهات الأهلية». وأضافت الزايد: «سعينا لإقرار هذا القانون ضمن المنظومة التي تحمي الحياة الأسرية وتكفلها، وقد تضّمن نصوصاً نوعية تناولت حماية المرأة بمختلف فئاتها العمرية من العنف، وتعريفات خاصة شملت العنف الجنسي والجسدي والنفسي والاقتصادي، ووضع تدابير للحماية عند تعرّض أفراد الأسرة للعنف. كما تضمّن أبواباً تتعلّق بالوقاية والحماية والأسرية في التعامل مع القضايا ذات الصلة، إلى آليات تحريك الدعوة والتبليغ ورفع الشكوى إلى الجهات المختصة. وشمل الباب الأخير العقوبات المقررة عند ارتكاب أي فعل من الأفعال التي اعتبرها القانون مجرمة بموجب النص، فضلاً عن أي فعل غير وارد في النص، فيخضع للقواعد العامة المقررة في قانون العقوبات البحريني والإجراءات القانونية». وعن دور المجلس الأعلى للمرأة قبل إقرار القانون، أوضحت الزايد أنه «من ضمن أهداف المجلس الواردة في الإستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية، كان محور الاستقرار الأسري، وبالتالي كان من المهم جداً كفالة حماية المرأة في المحيط الأسري. فالقانون جاء بما يضمن تلك الحماية ويكفلها في محيط أسرتها، حيث تجلّى دور المجلس في إبداء الرأي حول القوانين والمقترحات والتشريعات ذات الصلة بالمرأة بموجب اتفاقية المجلس والسلطة التشريعية. وأبدى المجلس من خلال أمينه العام هالة الأنصاري رأيه الشفهي، والمكتوب الذي يتضمن الإحصاءات والمستندات والبيانات من 2008 إلى 2015 والتي تظهر الحاجة لمثل هذا القانون». رصد الشكاوى عموماً، سيبدأ المجلس الأعلى للمرأة في رصد الشكاوى التي تصله عبر الجمعيات الأهلية كالاتحاد النسائي البحريني واللجان التي شكلت مع المجلس الأعلى للمرأة، وسيقوّم سلبيات أو عيوب القانون، أو من الناحية التطبيقية، لترفع بعدها اقتراحاتها بهدف تصحيح الوضع القائم أو تعديل النصوص القانونية نحو الأفضل». وأشارت الزايد إلى أن المجلس «يعكف على إعداد مسودة الإستراتيجية الوطنية لحماية المرأة من العنف الأسري، وهي حصيلة جهود خبراء معنيين في هذا المجال، سعياً لتعزيز مستوى الاستقرار للمرأة في محيط أسرتها خصوصاً ما يتعلّق بتعرّضها لأي من حالات العنف الأسري، فستجد فعلاً الآليات والوسائل لتي تعينها على مواجهة مثل هذا الأمر، إذا كان وقع عليها من محيط الأسرة وخارجها وفق القوانين المقررة». كما أكدت الزايد أن المجلس سينشئ قاعدة بيانات واضحة وفق معايير وإجراءات ثابتة، تدوّن فيها الحالات بحيث تصنف حسب نوع العنف، وموضوع تحريك الدعوى أو الشكوى، نوعية الإجراءات المتبعة، وبالتالي ستشارك في تجميع المعلومات الجهات الرسمية المتمثلة بوزارات التربية والتعليم والصحة والداخلية، إضافة إلى مؤسسات أهلية يجيز لها نظامها الأساسي تلقّي الشكاوى. وبالتالي ترصد من جهتها عدد من الحالات، إلى تلك الواردة إلى مركز تلقي الشكاوى التابع للمجلس الأعلى للمرأة. من جانبها، ترى الدكتور شريفة سوار، استشارية العلاج النفسي والسلوك المعرفي، أن القانون جاء ناقصاً لأنه «لم ينص القانون على عقوبات بحق الوالدين في حالة التحرّش الجنسي بأحد أطفالهما. فمن حق الطفل ألا يتعرض لأمور مزعجة مرة أخرى من خلال الحديث أو مقابلة الشخص المعتدي، كما أن أقوال الأطفال تؤخذ كقرائن وليست أدلة. وهنا يصعب إيجاد شهود في قضايا التحرّش الجنسي، لأن المتحرش دائماً ما يكون متأكداً من أمن المكان بالنسبة إليه وللفعل الذي يقوم به». وطالبت سوار أن يكون «الطفل هو الوحيد المخوّل أن يتنازل عن حقه، ولو شك القاضي أو وكيل النيابة بنسبة 2 في المئة في وقوع أي إيذاء أو تحرّش جنسي، عليه أن يوقف الزيارة مباشرة ويحوّل القضية إلى جنائية، ويمنع الأب من الاقتراب من الطفل. كما أن وضع حدود لاتهامات المرأة بأنها المحرّض لطفلها ليتهم والده بالاعتداء الجنسي عليه أمر يمنع الأمهات من دعم قرارات أبنائهن بالحديث عن الأمر، فالطفل عندما يتهم أحد والديه بالتحرّش يكون تعرّض لذلك، إذ ليس لديه الخيال الكافي ليتصوّر تحرشاً جنسياً». ووجّه الاختصاصي في شؤون المرأة المحامي حسن إسماعيل انتقادات إلى القانون الجديد، إذ «يشتمل على تعريف ناقص، وكان من المفترض أن يشمل التهديد بفعل الإيذاء خدم المنازل أيضاً، كما أن من أهم النواقص خلوه من عقوبات على جرائم العنف الأسري، فقد وضع عقوبات على أمر الحماية فقط. كما أنه لم يشر إلى ظاهرة الاغتصاب الزوجي التي يجب أن تدرج ضمن التعريف المنصوص عليه للإيذاء الجنسي». ولفت إسماعيل إلى أنه تمكن المرأة والناشطين في مجال حقوق المرأة الاستفادة من هذا القانون، بحيث يستخدم في التطبيق العملي، إضافة إلى تطبيق القضاة العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات على جرائم العنف الأسري. المرأة بند رئيس وللمجتمع المدني رأيه أيضاً، فقد أبدت رئيسة مجلس أمناء مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين نوال زباري، تحفظاتها على القانون الجديد الذي لم يسمِّ العنف ضد المرأة، بل اكتفى بالعنف الأسري وساوى بين الأطراف، وفق تعبيرها، وقالت: «بالنسبة إلينا يجب أن يشمل القانون في أبوابه على مفردة (المرأة) كبند رئيس، وهذا أحد النواقص الرئيسة. فنحن نطالب بحماية المرأة من العنف الأسري، فلا يزال موضوع تعرّضها للعنف منكراً عند أطراف كثيرة، وكمؤسسات للمجتمع المدني علينا أن نستمر في المطالبة بتعديلات ليتضمن القانون بنوداً تنص على حماية المرأة». واعتبرت زباري أنه على رغم نواقص كثيرة وخلل، يعدّ هذا القانون «خطوة متقدّمة وإيجابية بالنسبة إلى العنف الأسري، فمثلاً لم يعترف بدور مؤسسات المجتمع المدني في ما يتعلّق بالتنسيق وتوفير الخدمات والمطالبة بهذا النوع من القوانين، ولم ينص على التنسيق ودور هذه المؤسسات في هذا الجانب». وبحسب زباري، شمل القانون فقط حماية أفراد الأسرة من العنف الأسري، فيما العنف الذي تتعرّض له المرأة خارج الأسرة أعظم وأكثر إيذاءً. وتمنّت «أن يصدر قانون في هذا الشأن، لأن العنف في الفضاء العام هو عنف مركب، والأمور يجب أن تكون متساوية في الحماية من العنف العام والعنف الخاص». ومن ضمن مبادرات المجتمع المدني في إطار العنف الأسري، أطلقت مبادرة «نسيم» التابعة لجمعية ملتقى الشباب البحريني مشروع «نحترمها» لمناهضة العنف الأسري ضد المرأة. وتحدّثت رئيسة المبادرة إيناس الفردان عن أهدافه، موضحة أنه «يهدف للتوعية من آثار العنف وأشكاله وأنواعه، وآثاره السلبية على الأسرة، وتعريف المرأة على حقوقها وواجباتها والتدابير التي يمكن أن تتخذها لتحمي نفسها وأسرتها (...)». وعن آلية التطبيق، تطرقت الفردان إلى «التوعية بالفن والتوعية المباشرة، حيث سنقدّم أعمالاً موسيقية وأفلاماً قصيرة، خط ولوحات، كاريكاتير، وسنعرض بعضها في معارض وفعاليات خلاقة، لنوصل رسائل مهمة في هذا الاتجاه ونحض المجتمع على تحقيق الأهداف المنشودة». وعلى صعيد التوعية المباشرة، تحدّثت الفردان عن «إعداد دراسة متكاملة، من خلال إطلاق استطلاع إلكتروني للمتعرضات للعنف باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وسنتعاون مع شريكنا الإستراتيجي (مركز تفوق لدعم قضايا النساء). وفضلاً عن الاستطلاع، سنركّز مع محامين على الفئات المستهدفة من المعنفات ومجموعة من المحامين، وسنجمع الإحصاءات من مراكز الحماية من العنف الأسري، وننشر نتائج هذه الدراسة».