أحلم بأي لون من الألوان أن أكون صادقة، طاهرة ونظيفة من أي نفاق أو كذب ورياء ومصلحة ومؤامرة وانتهاز. أحلم بالصراحة الشديدة حد الجرح، أحلم بالمحبة الحنونة العطوفة الرقيقة، أحلم بعمل نبيل شريف أنجزه ولا أتركه معلقاً من أجل الكم والسمسرة والطعن والطعون، وأحلم بعالم جميل يتقبلني مثلما أنا، إنسانة محترمة لا علاقة لدخلي أو شكلي بقيمتي ووزني، لأنني أعرف اليوم أكثر من أي وقت مضى أنني لن أدخل القلوب ولا المطاعم ولا الصالونات الأدبية أو صالونات الحلاقة أو أي من صالونات المجتمع من دون دخل محترم. وهذا الهوس بالدخل هو الذي أدخلنا بأيدينا وأرجلنا وكامل أناقتنا إلى عالم الفساد الذي تتحدثون عنه صبح مساء. وكأن ما عاد عندنا من كلمة نلونها غير كلمة فساد، وكأن الجميع مصلح في هذه الأرض، وكلمة فساد تخص غيره وغيركم، كائناً آخر، شخصاً ما ليس من ينطقها أو يكتبها أو يلونها. من كان منكم بلا فساد فليرشق من يشاء بحجر، نادل المطعم أو سائق الليموزين أو معلم المدرسة أو موظف الحكومة أو الصحافي أو كائناً من كان بيننا بلا فساد، لأن من لا يحترم عمله ووقت عمله والإنجاز في عمله فهو فاسد، سرق الوقت وسرق شرف المهنة وعطل عمل مراجع ما وتلميذ ما ومريض ما وزوجة مهملة ما، فمهلاً حتى الإهمال فساد والعنف فساد وأفسده العنف الأسري. مهلاً قبل نطق الكلمة، وليراجع كل نفسه لعلنا نتوصل إلى مكافحة الفساد الموجود على الأرض منذ بدء الخليقة ومنذ حاول أفلاطون الحلم بالمدينة الفاضلة، فهل يوجد مدينة فاضلة منذ أيام أفلاطون إلى يوم مرمطون إلى آخر فيلسوف على هذه الأرض؟ طبعاً لا يوجد كمال، لكن يوجد أمل، تفاؤل، عمل، شرف، أشياء بسيطة نحن في حاجة إليها، في حاجة إلى الحب الصادق ولو كان عاصف، في حاجة إلى من يهتم بك ويرعاك ويسقيك كزهرة برية. في حاجة أنت إلى سقيا ورقيا وحنان متدفق، في حاجة إلى صداقات نبيلة معطاء خالية من الغيرة والحسد والرياء، في حاجة إلى حلم صغير من الممكن تحقيقه، في حاجة إلى هدف يسهل الوصول إليه، في حاجة إلى يد تمتد نحوك فإذا ما امتدت صافح اليد الممدودة لك. لكن الشك وسوء الظن أفسدت ما تبقى لنا من حسن النوايا وحسن الجوار والمصافحة. نحن إذن في حاجة إلى حوار وتفاهم يأتي بنتيجة وثمار، مواضيع غير مواضيعنا في المجالس والجرائد والتلفزيونات، اختيار لموضوع مثمر غير اختيار سواد عباءتي وأي برنامج أشاهد هذا المساء، وأي نوع زواج يوافق علان ولا يتوافق مع فلتان. موضوع لا علاقة له بقيادة المرأة لسيارتها أو حمارها أو جحشها كمان، موضوع لا علاقة له بدخول الشباب إلى الأسواق بما فيها أسواق العمل وأسواق المال، أيضاً أريد موضوعاً لا يختص بالمجاري والسيول والزبالة والقمامة والناموس، نظفوا بيوتكم ورشوها تنظف المدينة. عيب، خلاص قرفنا من المواضيع الضبية، حلوة الضبية أليس كذلك! بمعنى أن الموضوع المطروح يشبه الضب، والضب كما تعلمون حيوان مسكين لا يضر ولا ينفع، أفتصبح كل مواضيعنا كالضب، نعيد ونزيد لا ننفع ولا نضر. وقت ينصرف وطاقة تضيع في الإعادة والكلام، أليس هذا فساداً؟! وحتى الكلام عن الفساد من دون معالجته فساد! وكأنه شيء جديد، اختراع وليس يعني ضمير المتكلم فأين الضمير؟ أين ضميرك وما الذي يضيرك لو تكلمنا عن الوجدان وعملنا للثقافة والإنسان وبنينا ولو خيمة من دون انتقاد العمارات والبنيان. ما الذي يضيرك لو فرشنا بالأمل بيوت الغد؟ ما الذي يزعجك لو نظرت داخل الإنسان وتركت كلاً يعيش حياته على مقاسه، على ما يناسبه على هواه، من دون التدخل في تفاصيل ثوبه ومقاس أكمامه، من دون أن نفسد له بياض ثوبه وبياض قلبه ومن دون أن نبيض له أعماله وأفعاله من أجل أمواله طمعاً وجشعاً بكل من عنده مال! لا يهم اللون، وأنا امرأة أحب أن أكتب بالألوان وأرسم بالأزهار وأعيش بتغريد الطيور وأستحم بضوء القمر... أشياء مجانية تلون حياتي وليست فاسدة. خلف الزاوية ما رأيك أن نرسم دنيا نغمرها بكل الألوان ما رأيك أن نمحو زمناً ونسطر كل الأزمان [email protected]