جدّد رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه دعم بلاده للبنان ووقوف فرنسا الدائم الى جانبه في مسيرة النهوض، معتبراً «أن الإرادة اللبنانية قوية بالعيش معاً حتى أنها أقوى من كل الانقسامات، داخلية كانت أم مستوردة»، وقال: «موقف فرنسا هو الدعم الكامل لاستقلال لبنان وسيادته، وبسط سلطته على أراضيه كاملة»، معتبراً «أن ما يعزز غنى لبنان الهويات الفرنكوفونية والعربية والمتوسطية التي يحملها هذا البلد والتي تضاف الى دوره وتعززه في حوار الثقافات والحضارات». وكان لارشيه يتحدث خلال مأدبة غداء أقامها على شرفه الرئيس اللبناني ميشال سليمان وزوجته، حضرها رئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، ووزيرا الخارجية علي الشامي والعدل ابراهيم نجار ورئيس جمعية «الصداقة اللبنانية - الفرنسية» في المجلس النيابي مع مجلس الشيوخ الفرنسي النائب ميشال المر وزوجاتهم. ونوه سليمان في كلمة ب «الصديق القديم للبنان وشعبه. واكب لبنان طوال سنين الأزمات والحروب التي عشناها، بفعالية وإخلاص، في سعيه إلى السلام، في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي واجهته». وإذ أشار الى زيارته فرنسا قبل نحو سنة، ذكر لارشيه بأن «بحثنا معاً في السبل الكفيلة بتقوية علاقاتنا الثنائية، وبمساعدة لبنان على تدعيم استقراره وتطوره الاقتصادي والاجتماعي»، قال: «تحقيق هذه الأهداف، يتطلب بالضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن 1701، والتوصل إلى سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام، التي ترفض أي شكل من أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين، مع إقرارها بحق العودة». ورأى سليمان ان «التزام فرنسا لا يزال قائماً، إن كان عبر مشاركتها القيمة في القوات الدولية العاملة في الجنوب، أو عبر عملها في مجلس الأمن، وكذلك عبر مجموعة من المبادرات التي أطلقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والتي تهدف جميعها إلى تفعيل مسار السلام في شكل شامل، في إطار مؤتمر دولي يرتكز على مرجعية مؤتمر مدريد، أو في الإطار الأكثر تحديداً للاتحاد من أجل المتوسط». ونبه الى «ان أخطار الحرب على المستوى الإقليمي، وأخطار الإرهاب، ما زالت تشكل تحديات جدية علينا مواجهتها، لحماية استقرارنا ومكتسباتنا الوطنية. كما يجب مواجهة التهديدات الإسرائيلية للبنان وشعبه». وذكّر لارشيه بدور فرنسا في استصدار القرار 1701 وبأن لبنان أصبح في مجلس الأمن عضواً غير دائم للمرة الأولى منذ 56 سنة»، وأكد «الدعم الكامل لاستقلال لبنان وسيادته وبسط سلطته على أراضيه كاملة». وكان لارشيه اطلع سليمان خلال لقاء بينهما على أهداف زيارته للبنان مجدداً دعم بلاده للبنان في كل المجالات، ونوه «بالاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الذي ينعم به لبنان»، مبدياً أمله في «أن تنجح حكومة الوحدة الوطنية في إجراء العديد من الإصلاحات». أما سليمان فأثار موضوع التهديدات الإسرائيلية «التي تشكل خرقاً فاضحاً للقرار 1701 وتؤثر في الاقتصاد والاستثمار»، مطالباً فرنسا بالتدخل بقوة لوقف هذه التهديدات. مؤتمر صحافي وكان لارشيه عقد مؤتمراً صحافياً في قصر الصنوبر لخص فيه نتائج زيارته لبنان التي استمرت 3 أيام، مشيراً الى زياراته تركيا وأفغانستان ولقاءاته مع المسؤولين الذين زاروا فرنسا ومن بينهم الرئيس السوري بشار الأسد ونائب رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي ورئيس الأركان الاسرائيلي، وقال: «لفتنا، أن لبنان هو في طور النمو على رغم مواجهته مشاكل، ووضع المصرف المركزي جيد جداً، ونجح لبنان في تجنب عوائق الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، وساعدت فرنسا التي ترأست الاتحاد الأوروبي لبنان خلال هذه المرحلة، وسيعُقد في 17 و20 من شهر آذار (مارس) مؤتمر في فرنسا حول الدور الاقتصادي لفرنسا في لبنان». وعبر عن تضامن فرنسا «مع الجنود الدوليين ودعمها القرار 1701، وقال: «ليس هناك نسخ من هذا القرار فهو واحد ولا يتجزأ وتعتبر الكتيبة الفرنسية القوة الثانية في صفوف يونيفيل. وأردنا من خلال زيارتنا الاطلاع على آراء ومواقف وشعور القادة العسكريين في لبنان. ومن المهم ان تكون القوات الفرنسية الى جانب القوات المسلحة اللبنانية، فنحن ندعم لبنان والجيش اللبناني ونستشرف المستقبل ولطالما فعلنا ذلك، وبالتالي يعود للدولة اللبنانية حماية الأراضي اللبنانية». ونوه لارشيه «بالعاطفة التي احطتم بها سفيرنا وتضامن الشعب اللبناني مع المأساة التي أصابته عندما فقد زوجته في حادث الطائرة وهو لا يريد ان يغادر لبنان ولا يريد ان يترك منصبه. وأود أن أحييه فهو يمثل شرف فرنسا». واعتبر من ناحية ثانية ان «هناك نافذة أمل للبنان»، وقال: «أعرف أنكم تنتظرون الإصلاحات بفارغ الصبر. واستمعنا في بعض الأحيان الى شكواكم وشعوركم بالخيبة الا ان هناك نافذة أمل للبنان وفرنسا ستساهم في نشر هذا الأمل. إنكم دولة سيدة وعلاقات الدولة ذات السيادة يجب ان تكون من دولة الى دولة اي لا تتنكر لعلاقات الجوار وفرنسا أخذت في الاعتبار هذه الحقائق لأنها تعتبر ذلك من مسؤولياتها وأقصد هنا سورية وأقصد ضبط النفس الذي يجب ان تتحلى به اسرائيل فيجب ألّا تكونوا دائماً نوعاً من «البازل» يعتقد البعض انه يجب ألّا تكونوا موجودين على الخريطة وبالنسبة الى فرنسا هذا الموضوع غير قابل للنقاش». وعن العلاقات السورية - اللبنانية والسورية - الفرنسية، قال: «تعرفون الدور الخاص الذي لعبه الرئيس ساركوزي عام 2008 للقيام بخطوة فتح سفارات وتبادل السفراء حتى وان استلزم الأمر وقتاً لكي تتمكن هذه السفارات من ان تلعب دورها ولكن هذه خطوة مهمة للغاية. والرئيس سعد الحريري عقد مؤتمره الصحافي في السفارة اللبنانية في دمشق وهذه أيضاً خطوة مهمة بالنسبة إلي، فأنا لا يمكنني ان أتصور ان اكون في مكان آخر أعقد فيه مؤتمراً صحافياً سوى هذا المكان. وأعتبر ان زيارة الرئيس الحريري كرئيس وزراء الى سورية في زيارة من دولة الى دولة هو دليل يطابق حقيقة ما يتم في دولة مستقلة سيدة وأحيي هذه الخطوة التي توافق تماماً نظرتنا لهذا الموضوع». وشجع لارشيه «التقدم على مستوى العلاقات الثنائية ومنها مسألة الحدود ويجب الانتهاء من ملف المفقودين وإغلاقه يوماً، هذا الملف الذي شغلنا منذ 15 او 16 سنة، يحق لعائلاتهم ان تعلن حال الحداد عليهم. وما اقترحه الرئيس الحريري جد مهم، هو مراجعة الاتفاقات الثنائية التي يمكن ان تكون مفيدة للبنان». وأضاف: «وأخيراً معسكرات التدريب، سيزور رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فييون دمشق خلال اليومين المقبلين سيعرض المسائل السياسية وننتظر بعض الإشارات. أتفهم قلة صبر اللبنانيين ويجب أحياناً التعامل مع المسائل ببطء، ولكن يجب التنبه أحياناً من البطء لأنه يجب الحصول على أمور ملموسة لأنها مهمة للمنطقة بأسرها وليس فقط لمصلحة لبنان». الدفاع عن لبنان... وايران وعن احتمال التصعيد بين اسرائيل و «حزب الله»، قال: «التقيت ممثلي «حزب الله» وكانوا موجودين أمس خلال زيارتنا الجنوب، وأكدوا انهم حزب سياسي لبناني أساسي. بالنسبة الينا يعود للدولة اللبنانية تأمين الدفاع عن الأرض اللبنانية... يجب على الدولة ان تحل الأمور الأساسية. نحن نتحدث مع الجميع وفقاً لمبادئ معينة لا نساوم عليها. يعود للدولة ان تدافع عن كل ابنائها وكل شبر من الأراضي اللبنانية وهذا المفهوم من اسس الدولة». وعن إمكان توتر الأوضاع في الجنوب ونشوب حرب بين سورية واسرائيل، قال لارشيه: «شعوري بأن هذه المسألة ليست اساسية اليوم، انما المسألة الأساسية هي الملف النووي الإيراني. وأذكر بموقف الرئيس ساركوزي الذي يمكن ان يخلق نقاشاً في فرنسا لكن هناك إجماعاً عليه فهذه المسألة تقلقنا وتقلق الأوروبيين منذ عام 2003، من فرنسا والمانيا وبريطانيا. وعام 2006 انتقلنا الى مرحلة مجلس الأمن ونستمر في تقديم عروض الحوار ويجب على ايران ان تلتقط هذه العروض. كما نركز اهتمامنا على موضوع العقوبات كي لا تطاول الشعب الإيراني. العقوبات السياسية تبدو لنا حتمية مع المجموعة الدولية وهناك مسؤولية كبيرة على مجموعة الست وللبنان مسؤولية لم يمارسها منذ عام 1953 أو 1945 كونه عضواً غير دائم في مجلس الأمن. هذا دور مهم للبنان، لم يتمكن أحد من تصوره قبل ثلاث سنوات، وبالطبع علينا ان نتحاور مع الأعضاء غير الدائمين. علينا ان نفهم بعض الخيارات ولكن يعود للأعضاء الدائمين ان يتحملوا مسؤوليتهم. نحن في محادثات دائمة مع المجموعة الأوروبية». وعن تسليح الجيش اللبناني، أشار الى انه «طرح الموضوع مطولاً في باريس مع الرئيس سليمان ثم مع الرئيس الحريري بعد ذلك، وأعدت بحثه هنا وسأبحثه مع رئيس الجمهورية، وهذا أحد العناصر التي لا يمكن الاستغناء عنها في الاستراتيجية الدفاعية والحوار الوطني». ودعا «الى الوثوق بالقوات المسلحة اللبنانية»، مشيراً الى ان «الحاجات التي تم التقدم بها ليست للهجوم على الجيران انما للدفاع عن الأرض». مع المر و«التغيير» وكان النائب ميشال المر وزوجته سيلفي أقاما مأدبة عشاء على شرف لارشيه حضرها عدد من الشخصيات السياسية وبينهم نواب من تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي. واعتبر المر في كلمة ان لبنان «واجه مرحلة دقيقة وخطيرة خلال السنوات الخمس الماضية ومنها امني وسياسي، كان يتوقع لها عواقب وخيمة وكان للتدخل الفرنسي الدائم والداعم الأثر الإيجابي للخروج منها». ورد لارشيه بكلمة نوه فيها بالمر وقال: «لدينا في فرنسا ما هو غير قابل للجدل وهو ما يتعلق بسيادة لبنان وسلامته»، وقال: «باريس - 3 اكد دعم فرنسا ووقوفها الى جانب لبنان». واذ اشار الى اسرائيل أكد ان «الحروب لا تعرف سوى الخاسرين، اما مسيرة السلام فلا تعرف سوى الرابحين، ولنلقي نظرة على بعض مآسينا في أوروبا خلال أجيال والدي وأجدادي». مجلس الشيوخ اللبناني وكان لارشيه ألقى محاضرة صباحاً بعنوان «مجلس الشيوخ ودوره في النظام الفرنسي» في جامعة القديس يوسف بدعوة من وزير العدل إبراهيم نجار، وكلية الحقوق في الجامعة، حضرتها شخصيات سياسية وقضائية وقانونية والأساتذة والطلاب. وقال لارشيه إن المقاربة التي سيقدمها عن أهمية مجلس الشيوخ «براغماتية أكثر منها قانونية». ولفت إلى أن «نظام المجلسين يُطرح أمام الدول التي تفكر في مستقبلها»، واصفاً «مجلس الشيوخ بأنه ميزان المؤسسات». وذكّر بأن «أوروبا الوسطى والشرقية فقدت الكثير من مساحتها الديموقراطية عندما عمدت إلى إلغاء مجلس الشيوخ بعد الحرب العالمية الثانية». وقال: «أن مجلس الشيوخ يعيد التوازن إلى المؤسسات، ويمنع انحراف المجلس الواحد، وفي فرنسا هو آلية ديموقراطية لتأمين الاعتدال». وقال: «قد يشكل نظام المجلسين بالنسبة إلى لبنان الموجود في بيئة معقدة فرصة عليه التقاطها، ولا أدري إن كان بالإمكان نقل نظام مجلس الشيوخ الفرنسي إلى لبنان».