لم تكن مجرد صفقة انتقال فاشلة عادية، ولم يكن السبب الإجراءات البيروقراطية، لان صفقة انتقال الحارس ديفيد دي خيا فشلت بين عملاقين جبارين، هما الأكبر في عالم كرة القدم، ما عكس مدى الصراع الخفي الذي ينهشهما في ظل مزاعم عن غيرة وحسد بين الادارتين الانكليزية والاسبانية. لن يتوصل أحد الى الحقيقة المطلقة في أسباب فشل انتقال النجم الاسباني الى النادي الاكبر في عاصمة بلاده، على رغم ان المدريديين سيقتنعون بالنقاط العشر التي سردها ناديهم في تسلسل الاحداث وأسباب الاخفاق، وسيرفضون وجهة نظر النادي الانكليزي، الذي سيعكف أنصاره على تصديق قصته، خصوصاً أن النجم الذي اختير أفضل لاعب في الفريق على مدى العامين الأخيرين، باق مع الفريق حتى نهاية الموسم. كلا الناديين العملاقين أصدر بياناً يبرئ فيه ذمته ويلقي باللوم على الآخر، لكن هناك نقطتين سلبيتين في حقهما، فالاولى ضد مصلحة الريال، وهي لماذا لم يقدم عرضاً رسمياً قبل يوم الاثنين الماضي، وهو اليوم الأخير في سوق الانتقالات الصيفية، حتى لو تعذر أنصاره بأن النادي حاول التفاوض مراراً مع النادي الانكليزي، على مدى العامين الاخيرين، لكن الواقع يقول إنه لم يقدم أي عرض رسمي حتى اليوم الاخير، ما سمح بوقوع أخطاء، ان كانت متعمدة او غير مقصودة. والنقطة السلبية التي تحسب على مان يونايتد، ان لو كانت لديه نية حقيقية في بيع نجمه، لماذا لم يجاوب على الطلب طوال 8 ساعات منذ ظهيرة يوم الاثنين، وانتظر الى الساعات القليلة الاخيرة كي يماطل. والجواب معروف انه لم يكن يرغب في البيع أصلاً. لكن الأمر أعمق بكثير من مجرد أخطاء بيروقراطية او قلة خبرة مثلما وصفها رئيس الريال فلورنتينو بيريز، او حتى رغبة في الاحتفاظ بنجم، بل هو صراع مرير خفي يطول سنوات، وتحديداً منذ بيع يونايتد لنجمه الاول البرتغالي كريستيانو رونالدو في 2009، إذ كانت نقطة فارقة في تحديد حجم الفريقين من الشعبية والثراء، إذ اقتضم النادي الملكي حينها شريحة كبيرة من أنصار اليونايتد، وهو ما أزعج الشياطين الحمر، خصوصاً ان يديه حينها كانتا مكبلتين بمشاريع مالكيه، عائلة غليزر، التي «حلبت» موارد النادي ووظفتها لأهدافها الشخصية. لكن بعدما دق ناقوس الخطر بعد رحيل المدرب الاسطوري السير أليكس فيرغسون، وفشل الفريق في التأهل الى دوري أبطال اوروبا للمرة الاولى تحت ادارة ديفيد مويز، فان النادي أدرك انه اذا اراد ان يحافظ على مداخيله الخرافية فان عليه ان يبقى بين النخبة، بل على رأسهم، وهذا يتعين صراعاً مريراً مع ريال مدريد نفسه، ولهذا ذاعت على مدى العامين الاخيرين فكرة استعادة النجم البرتغالي رونالدو مهما كلف الثمن، وهو ما فشل به، فأثر بعدها الى السعي لضم نجم من طراز عالمي حقيقي، فتوجهت الأنظار الى غاريث بيل، لكن العقبة انه موجود في الريال، ولا نية لدى النجم الويلزي في ترك فريق أحلامه، على رغم المضايقات وصيحات الاستهجان التي نهشته الموسم الماضي، وكان مؤلماً ان يرى نجماً بريطانياً حلمه الطفولي هو اللعب للريال وليس له، ليكتفي يونايتد بالنجم الارجنتيني أنخيل دي ماريا، الذي دفع نحو 60 مليون جنيه استرليني لضمه، لكن انتهى الامر بخيبة كبيرة وخسارة نحو ثلث سعره الاصلي ببيعه الى باريس سان جيرمان. لكن الحرب الخفية استعرت، عندما شعر مانشستر يونايتد بانه استغل وبات سلعة للسخرية، عندما تلاعب نجم الدفاع سيرجيو راموس بعواطف أنصار اليونايتد والريال معاً بتهديده بالرحيل واعلان قرب انتقاله الى يونايتد، في محاولة للي يد ناديه الملكي واجباره على رفع راتبه السنوي، وحصل ما ابتغاه القائد الحالي للفريق لكنه ترك طعماً مريراً في حلق النادي الانكليزي. وعندما طالب الريال عن طريق وكيل الاعمال الشهير جورج مينديز، بضم دي خيا، لم يمانع يونايتد في حال شملت الصفقة تخلي الريال عن بيل، أو راموس، لكنه لم يفلح وراهن الريال على رغبة الحارس الاسباني في الرحيل والانتقال اليه في عدم الالحاح بتقديم عرض رسمي، معتقداً ان يونايتد سيخنع في اليوم الاخير من الانتقالات وسيفضل بيع حارسه بدل خسارته من دون مقابل في نهاية الموسم، لكن العكس تماماً حدث، وهو ما فضله يونايتد على أن تحطم سمعته مرة ثانية، على انه النادي الذي يخسر نجومه لناد أكبر منه، وهو ما لا يريده، مفضلاً التضحية ب30 مليوناً، لكنه ضمن ان يزرع بلبلة داخل أسوار النادي الاسباني. المؤسف عند كلا الناديين، انهما سيضطران لخوض الموسم بحارسين غاضبين، فدي خيا لن يكون راضياً على ما حدث وهو يدرك ان يونايتد تعمد افساد الصفقة، وقد لا يحرس مرماه بصورة أساسية، في حين ان الكوستاريكي كيلور نافاس سيشعر ببغض وحزن كونه يدرك انه حارس غير مرغوب فيه في الريال.