يستضيف المركز الثقافي الجزائري في باريس حالياً، معرضاً لأعمال المصورة فريدة حماك بعنوان «من حول نهر الأردن». يدور الحدث حول النظرة التي تلقيها المصورة على هذا النهر ومن خلاله على المنطقة والأحداث التي تهزها. كما تعرض بعض الصور التي التقطتها سابقاً في بيت لحم، خصوصاً لجدار الفصل العنصري بين الجانبين العربي والإسرائيلي. بدأت حكاية فريدة حماك المهنية الفنية والعاطفية مع المنطقة العربية، حين زارت لبنان مطلع الثمانينات بصفتها مراسلة حرب تابعة لمجلة «نيوزويك». فكانت شاهدة على المجازر الاسرائيلية من قرب. ما وطّد علاقة ودية خاصة جداً بينها وبين لبنان والمنطقة. الأمر الذي جعلها تكتشف هذا الركن من العالم وتتعلم ثقافته وتقاليده وتختلط بأهله، لتُدرك الفوارق الموجودة بين المغرب العربي الذي تنتمي إليه وبين المشرق حيث عاشت وعملت وخاضت تجربة الحرب. وفريدة حماك صحافية ومصوّرة جزائرية الأصل تقيم في فرنسا. درست الفلسفة وعلم النفس في جامعة السوربون الباريسية العريقة. وعلى رغم اعتزالها العمل مع «نيوزويك»، ما زالت تمارس «مهنة المتاعب» لحسابها الشخصي، فتحمل حقيبتها وتسافر الى مواقع الحروب في المنطقة العربية من العراق الى فلسطين ولبنان حيث تعود من رحلاتها في كل مرة حاملة الدليل القاطع على بشاعة البارود والظلم والاحتلال. تحكي صور حماك الحرب من خلال البشر والبصمات التي تتركها النزاعات في النفوس وعلى الوجوه، لا سيما النسائية منها. ذلك أنها لا تصور الحدث على أساس أنه صرعة لا بد من أن تنقلها إلى الإعلاميين بسرعة البرق، ما يجعل أسلوبها يختلف عن طريقة هؤلاء الذين يعملون كمراسلي حرب بالمعنى التقليدي. تتوغّل حماك داخل الأماكن العامة والخاصة، لتكتشف حياة الناس اليومية وتفاصيلها. وكونها امرأة يسهل عليها دخول منازل المواطنين أينما حلّت. فتقيم مع العائلات وتندمج معها وتشاركها حياتها اليومية، تاركة إياها تتصرف بحرية مطلقة وكأنها واحدة من أفرادها ثم تلتقط في شكل شبه كتوم لحظات معينة وتعبيرات طبيعية على الوجوه تروي من خلالها حكايات تفتتحها امرأة في كل الأحوال. فالوجه النسائي لدى حماك عبارة عن صفحة مكتوبة ثرية بالمعلومات لمن تعلّم هذا النوع من القراءة. كتبت حماك كتاباً ثرياً بالذكريات والحكايات يروي سيرة عائلتها بعنوان «أمي حكاية هجرة»، يكمّله شريط سينمائي مدته 20 دقيقة تعلّق حماك بصوتها على مشاهده المختلفة. ويأتي صوت المطربة المغربية سعاد ماسي العذب، وهي صديقتها، ليُضيف الى الشريط قيمة فنية مؤثّرة. وتمارس حماك لوناً آخر من التصوير الفوتوغرافي تعرض نتاجه فقط على مسارح تقديم عروض الموضة الموسمية وفي أستوديوات المكياج والتجميل، حيث تقف عارضات الأزياء العالميات مرتديات أحدث موديلات هذا المصمم أو ذاك. فمن يصدق أن العدسة ذاتها التي التقطت مأساة الجدار العنصري، صوّرت ابتسامة كلوديا شيفر، وقامة نعومي كامبل، ونعومة ليتيسيا كاستا. لكن تُعلّق بعد ابتسامة ماكرة فوق شفتيها، شارحة أن القاسم المشترك بين وجهي نشاطها هو الكيان النسائي، ذلك نفسه الذي يهوى الأناقة والجمال، وفي الوقت ذاته يقدر على مواجهة أصعب المواقف ومساندة الرجل بل العائلة كلها في ظروف الحرب. وتعترف بأن تصويرها ملامح نجمات عروض الأزياء، علّمها كيفية التمعن في تعبيرات الوجه النسائي بصورة عامة وتحت كافة الزوايا. ومهما صورت حماك من فنانات وعارضات غربيات تظل المرأة العربية محور عملها، إذ إنها تنطلق منها دائماً مهما كان الموضوع الذي تتناوله بعدستها.