تركت ميشيل باشليه، الرئيسة التشيلية والاشتراكية السابقة، الرئاسة وهي تحظى ب 80 في المئة من الآراء الإيجابية والمشايعة، ويقضي الدستور باقتصار الرئيس المنتخب على ولاية واحدة. فعمد اليمين الى ترشيح سيباستيان بينييرا. ومرشح اليمين سبق أن اقترع في استفتاء 1988 العام على تجديد رئاسة الجنرال بينوشيه ضد التجديد، وعليه، ففوز اليميني بينييرا لا يدعو الى القلق. والرئيس الجديد ليبرالي اقتصادياً. و «الكتلة» السياسية المؤتلفة من الحزب الاشتراكي والحزب الديموقراطي - المسيحي تعاقب مرشحوها على رئاسة تشيلي وانتهجوا، في الأثناء، سياسة اقتصادية لا تختلف عن سياسة النظام العسكري قبلها. فالشاغل كان، يومها، الاضطلاع بالحكم. ولم يكن يستقيم الاضطلاع بالحكم مع معارضة أوساط رجال الأعمال. وميول معظمهم بينوشية. وحظي بينوشيه في استفتاء 1988 الذي خسره ب 44 في المئة من أصوات المقترعين، على ما لم ينفك الرجل ينبه ويذكر، وهو خلّف وراءه «محميات تسلط» خالطت الحكم الديموقراطي ولابسته. وتولى الحكم الديموقراطي تفكيك «المحميات» هذه تدريجاً، واقتضى الأمر 20 عاماً، وأنجز تقريباً. وعليه، يسع اليمين اليوم العودة الى الحكم من غير تهديد الديموقراطية أو إعطابها، ومرآة الحال هذه قبول مرشح وسط اليسار خسارته من غير تحفظ. ويحتسب إرساء ديموقراطية غير متشنجة وغير قطبية، يجمع التشيليون عليها، لكتلة الحزبين. ونعت هوغو تشافيز بالشعبوية يعني، خارج وقت تاريخي محدد كان للشعبوية فيه وجه معروف وقسمات واضحة، أن نظام الرجل لا يحظى بقبول من ينعته. وتشافيز هو ثمرة تاريخ ومنطق، فهو عسكري، ونظام الأحزاب المولود بفنزويلا في 1958 انتهى الى الانهيار، وفنزويلا بلد يعتاش من ريع النفط. وهذه العوامل خلفت نظاماً من نمط معين، ومقارنته بالأنظمة الفنزويلية السابقة في أوقات البحبوحة النفطية تقود الى الإقرار بأنها كانت ربما أكثر تسامحاً بعض الشيء، وأكثر احتراماً للمؤسسات. ولكن خطابة هذه الأنظمة وسياساتها الاجتماعية، على وجه الإجمال، تشبه كثيراً نظام تشافيز البوليفاري. والحق أن البلدان الأميركية الى جنوب ريوغراندي اعتنقت الديموقراطية ولم يكن في مستطاعها إعمالها فعلاً. ومرجعا دراسة الديموقراطية في أميركا اللاتينية هما توكفيل وبوليفار. وليس هذا بطلاً أسطورياً وحسب، بل هو فقيه دستوري كبير كذلك. وكان شاغله الجمع بين الديموقراطية والاستقرار السياسي والاجتماعي والحد الأدنى المقبول من العدالة، والمفارقة الأساسية في بدايات البلدان الأميركية المستقلة هي افتقارها الى مواطنين بينما تنهض السلطة على سيادة الشعب والمواطنين. وكتب في الانتقال من الأنظمة الديكتاتورية الى الأنظمة الديموقراطية في ثمانينات القرن الماضي دراسات كثيرة. وفي معظم الأحيان، لا يترتب على التخلي عن الديكتاتورية اطاحة الجيش ولا الدستور الموروث، ولا حتى الرضة التي أورثت الديكتاتورية وقتلاها ومفقوديها. والانتقال لا يقتصر علىالوقت الذي تخلي فيه الديكتاتورية المحل الى نظام ديموقراطي، وانما هو سيرورة طويلة ومعقدة. والدستور البرازيلي يستوحي دستور العسكر. وهو يعارضه بنداً بنداً ومادة مادة، فيوزع الصلاحيات على الولايات، وينقل بعضها الى الهيئات الاتحادية، وينشئ سلطة قضائية من غير رقابة خارجية عليها. وبعض الإجراءات المشتطة صححت منذ 1995، والبرازيل، اليوم، يدخل في عداد دول العالم الكبرى، ووجهه الى الغد، ودستوره مهاب. وعلى رغم استواء الرئيس لولا في ذروة شعبيته، رفض تعديل الدستور الذي يخوله انتخابه الى ولاية ثالثة. سفير فرنسا سابقاً الى المكسيك والبرازيل ورئيس دار أميركا اللاتينية بباريس وصاحب كتاب «في ظل الديكتاتوريات - الديموقراطية في أميركا اللاتينية»، عن «لوموند» الفرنسية، 6/2/2010، إعداد و. ش.