وقّع رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه أمس، على تجديد برنامج التعاون بين المجلسين، انطلاقاً من بروتوكول تعاون موقع بينهما في تشرين الاول (اكتوبر) 2002، بهدف تبادل الخبرات التشريعية والثقافية وتعزيزاً لعلاقات الصداقة بين الشعبين اللبناني والفرنسي. وأعقب التوقيع في مقر الرئاسة الثانية في عين التنية، غداء أقامه بري على شرف ضيفه حضره حشد سياسي تقدمه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أقام مساء عشاء تكريمياً للارشيه في السراي، اضافة الى الوفد المرافق للارشيه وضم أعضاء مجلس الشيوخ رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية - اللبنانية أدريان غوتيرون، ونائبي الرئيس اندريه انتوم وكريستيان كامرمان ودومينيك براي. وألقى بري كلمة رحّب فيها بلارشيه، معرباً عن سروره ب «أن يكون معنا ضيف لبنان الكبير كرئيس لمجلس الشيوخ وأيضاً كخبير سبق له وتولى رئاسة لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الشيوخ الفرنسي واللجنة الخاصة المعنية بوضع قانون تحديث الاقتصاد ونحن نبحث سبل حل أزمتنا الاقتصادية والاجتماعية، ولو أنني اتوقع ان أسمع من الرئيس لارشيه جواباً يسألني فيه عن مصير المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان والذي أنشأ ارتكازاً على التجربة الفرنسية؟ ولماذا لم نأخذ في الاعتبار دراسته عن أسباب الازمة الاقتصادية والاجتماعية وسبل حلها؟ ولماذا نترك هذا المجلس مجمّد الفاعلية ولا نعيد إنعاشه؟». وأضاف: «كما يسرني ونحن نتداول في شأن إدخال تعديلات خجولة على قانون الانتخابات البلدية ان نستقبل الرئيس لارشيه وهو ايضاً عمدة رامبويية التي احتفلت برعايته بإقامة اسبوعين للثقافة اللبنانية ورفعت العلم اللبناني فوق القصر البلدي، وهو كذلك رئيس سابق لاتحاد رؤساء بلديات غابات وسهول الألفين ثم كان مستشاراً لهذا الاتحاد، وهو بهذه الصفات يستطيع ان يقدم لنا نتاج خبرة طويلة في مجال بناء السلطات المحلية وقيادتها»، من ضيفه الذي يزور لبنان للمرة ال 38 أن «يقدم المشورة التي تسهم في انقاذ لبنان من مرض الطائفية ويجعل هذا البلد نموذجاً عصرياً لنظام المنطقة السياسي». وتابع: «نرحب بالمغزى الخاص لزيارتكم التي تمر ولبنان يتذكر للسنة الخامسة على التوالي وبكل وفاء الشخصية الوطنية الرائدة التي لعبت دوراً في قيامة لبنان بعد الطائف وفي إعماره وفي السعي لاستعادة دوره في نظام منطقته، أقصد دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كانت تربطه بفرنسا صداقة خاصة شكلت قيمة مضافة لعلاقة لبنان ببلدكم الصديق». وشكر بري لفرنسا وقوفها الى جانب لبنان في معظم المراحل، وقال: «لا يكاد يمضي يوم واحد من دون تهديد اسرائيل للبنان باللجوء الى القوة وبتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي تدهور. ولا يكاد يمضي يوم واحد من دون خرق اسرائيلي لللسيادة اللبنانية براً وجواً وبحراً في خرق فاضح للقرار الدولي 1701، فيما تواصل اسرائيل عرقلة تنفيذ هذا القرار باستمرار احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر»، مشدداً على أن «وجود المقاومة في المقابل، هو نتيجة طبيعية للحروب الاسرائيلية على أرض لبنان وللاجتياحات والاحتلال والاطماع في المياه والارض، وبالتالي فإن جعلها سبباً لتهديد لبنان هو قلب الحقائق». وطالب بري فرنسا «بما للبنان من محبة وخصوصية لديها وبما لها من علاقات وتأثير في الساحتين الاوروبية والدولية» ب «موقف حازم لمنع اسرائيل من العدوان على لبنان وتجربة منظومات السلاح الجديدة التي تعتقد انها عنصر قوة مضافة، ومن جعل لبنان مساحة لتصفية حساباتها الاقليمية». وأضاف: «نطالب باشعار اسرائيل بسقوط نظرية الردع مما يعني ان استخدام القوة لن تؤدي الا الى المزيد من دورات العنف». وكذلك دعا سلطة القرار الدولي الممثلة بالدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، الى «جعل القرار الدولي 1701 ممكن التطبيق ورفض ان تبقى اسرائيل استثناء لا تطبّق عليها القرارات الدولية». وشدد على أن «بناء هيبة الاممالمتحدة وجعل قراراتها محترمة هو المفتاح الحقيقي ليس لحفظ السلام والامن الدوليين على الحدود اللبنانية فحسب، وانما كذلك لحل قضية الشرق الاوسط لأن قرارات الأممالمتحدة تؤكد ضرورة الانسحاب الاسرائيلي من الارض العربية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 وهذا الأمر يشمل الجولان السوري كما الضفة الغربية وقطاع غزة كما ان القرارات الدولية تؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وتلبية اماني الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس». ورحب ب «تقدم المواقف الاوروبية وكذلك الاميركية الجديدة ازاء الاستيطان الاسرائيلي»، داعياً فرنسا والاتحاد الاوروبي الى «ممارسة الضغوط ليس لتعليق أو تجميد الاستيطان في الاراضي الفلسطينية والسورية المحتلة فحسب، إنما لوقف بناء المستوطنات نهائيا خصوصاً تلك التي تستهدف القدسالشرقية والحرم القدسي». ورحب بدعوة فرنسا كما روسيا الى «عقد مؤتمر دولي حول الشرق وكذلك بأي جهد تبذله فرنسا الى جانب تركيا لتحريك المسار السوري». معالجة هادئة وأوضح بري أن الشرق الأوسط «يحتاج الى معالجة هادئة لملفاته وليس لتوليد المزيد من التوترات. معالجة الملفات النووية على سبيل المثال تبدأ من بناء قناعة بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الاسلحة النووية، وهذا الامر يجب ان يركز على اسرائيل التي تؤسس لسباق تسلح يشمل اسلحة الدمار الشامل»، مؤكداً ضرورة «إدارة مفاوضات هادئة حول الملف النووي الايراني وليس فرض العقوبات والمزيد منها لأن هذا الامر يدفع الامور في شكل سلبي على كل المستويات». وأعرب بري عن اهتمامه باتخاذ خطوات برلمانية لدعم مشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي أطلقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، مؤكداً «رفضنا الحازم لمقاربة التعاون بين ضفتي المتوسط على اساس اعتبارات أجندة عسكرية وأمنية والتشديد على مقاربة التعاون على اساس سياسي واقتصادي وثقافي». وأشار لارشيه في مستهل كلمته إلى وضعه اكليلاً على ضريح الحريري، سائلاً: «أليست الوحدة المستعادة أجمل تحية إليه على الاطلاق؟». وقال: «تحدثنا للتو عن الوضع في بلدكم والوضع الاقليمي وعلاقتنا الثنائية وبالطبع عن علاقاتنا البرلمانية، وتحدونا رغبة مشتركة في ان يتم تطبيق اتفاق التعاون الذي وقعه مجلسانا عام 2002 تطبيقاً كاملاً». وأضاف: «هذا هو معنى برنامج العمل الخاص بعام 2010 الذي وقعناه للتو. بعبارة أخرى، بفضل الخطوات الملموسة وتبادل الموظفين الرسميين وتنظيم ورش عمل حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وكذلك عبر التعاون بين مكتباتنا، نرغب في تكثيف عمليات التبادل وتوطيد الروابط الانسانية بين مجلسينا»، موضحاً أن «أجمل مثال على هذا العمل المشترك هو الندوة الاقليمية لبرلمانات حوض البحر الابيض المتوسط، التي تجمع ما بين المغرب والجزائر وتونس ولبنان وفرنسا. وستنعقد هذه السنة في بيروت». وأوضح أن «مجموعات الصداقة تشكل الركيزة الاساسية لعلاقاتنا البرلمانية. وهذا أمر يعيه جيداً ادريان غوتيرون ونائباه ايضاً، وهم جميعاً يهتمون منذ سنوات وعلى نحو يومي بالعلاقات بين مجلسينا. ولا شك في ان ميشال المر الذي يرأس مجموعة الصداقة مع مجلس الشيوخ الفرنسي في البرلمان اللبناني يعرف هذا الامر بدوره. أشكرهم جميعاً على الجهود التي يبذلونها». وقال لارشيه: «الاربعاء، وقبل لقائنا مع الرئيس ميشال سليمان، سنتوجه الى جامعة القديس يوسف حيث سألقي محاضرة حول النموذج الفرنسي القائم على الثنائية البرلمانية. أعرف أنه ثمة عملية تفكير قائمة لديكم حول هذا الموضوع وان اتفاق الطائف ينص على إنشاء مجلس ثانٍ. ولكنني أقول بوضوح إن هذا النقاش يخص اللبنانيين وحدهم، ولا نية لي بالتدخل فيه». وأضاف: «سأقدم شهادة عن موضوع تمرّست فيه منذ 25 عاماً، هو نظام الثنائية البرلمانية. ولا رغبة لي سوى مشاركة تجربتنا مع أصدقاء والتعبير عن استعدادنا لمشاركتهم التفكير حول الموضوع إذا رغبوا في ذلك». وأعرب عن سعادته بعودته الى لبنان «لأجده متصالحاً مع نفسه. إن الحكومة التي تشكلت في 9 تشرين الأول الماضي هي مصدر أمل. الوضع في لبنان أفضل من ذي قبل، وهذا ما يبعث الفرح في نفوس جميع أصدقاء لبنان». ووجه دعوة الى بري لزيارة فرنسا و «ستكون زيارتكم لبلدنا، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس سليمان والرئيس الحريري تعبيراً جديداً على متانة الروابط التي تجمعنا»، مؤكداً «التزام فرنسا الى جانبكم وسروري عميق بتكرار موقف فرنسا، وهو موقف دعم كامل لاستقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه». وقال لارشيه: «نعقد آمالاً فعلية على مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، هذا المشروع الجميل الذي سيوفر إطاراً موسعاً لعلاقاتنا. لا بد من أن يكون البعد البرلماني حاضراً بقوة في هذا المشروع...لطالما كان لبنان صلة وصل مميّزة بين الشرق والغرب، والاتحاد من أجل المتوسط يحتاج الى موهبة لبنان. فغنى لبنان إنما يكمن في موهبته الخاصة: المزاوجة بين هوياته العربية والفرنكوفونية والمتوسطية، ليجمع بينها لا ليطرح منها، وحوار الثقافات وتعددية الهويات، ذاك هو وجه لبنان الحقيقي، وهو وجه تسامح وأخوة». والتقى لارشيه في قصر الصنوبر رئيس حزب القوات اللبناني سمير جعجع ومسؤول العلاقات الخارجية في «حزب الله» عمار الموسوي. وكان مساء أول أمس رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. وكذلك تفقد لارشيه المركز الطبي – الاجتماعي التابع ل «الجمعية اللبنانية لفرسان مالطا» في عين الرمانة. جولة في المتحف وكانت السيدة رندة عقيلة بري اصطحبت السيدة كريستين لارشيه في جولة على المتحف الوطني، والمحترف اللبناني للتراث في عين المريسة.