أظهرت الصور التي التقطتها أقمار إصطناعية تعرض معبد بل في مدينة تدمر السورية للتدمير، ما عزز المخاوف حول مصير المدينة الاثرية الواقعة تحت سيطرة تنظيم «داعش» المتطرف. ودانت منظمة الاممالمتحدة للتربية للثقافة والعلوم (يونيسكو) قيام «داعش» بهدم المعبد، واعتبرته «جريمة لا تغتفر بحق الحضارة» الانسانية. وعبّرت مديرة المنظمة ايرينا بوكوفا في بيان عن «عميق حزنها»، قائلة ان «هذه الجريمة لن تمحو 4500 سنة من التاريخ». وأثار تدمير المعبد الذي احتل العناوين الرئيسية في الاعلام الدولي ردود افعال غاضبة، وهذا بالضبط ما كان يسعى التنظيم لتحقيقه، بحسب خبراء. وتواجه عشرات المعالم الاثرية خطراً في المدينة التي طرد التنظيم القوات النظامية منها في ايار (مايو) في اطار سعيه الى بسط سيطرته على سورية والعراق. وينبذ «داعش» المتطرف خصوصا التماثيل ويعتبرها أصناماً تعود للوثنية، لكنه متهم بتدمير الارث وبيعه في السوق السوداء والحصول على الدعاية. وقال معهد الاممالمتحدة للتدريب والبحث (يونيتار): «بوسعنا ان نؤكد واقعة تدمير المبنى الرئيسي لمعبد بل وكذلك لصف من الاعمدة ملاصق له»، مشيراً الى انه خلص الى هذه النتيجة استناداً الى صور التقطتها اقمار اصطناعية بعد التفجير الذي هز ارجاء المدينة الاثرية الاحد. واضاف ان المعبد ظهر بوضوح في صورة التقطت في 27 آب (اغسطس)، وهو عبارة عن مبنى مستطيل الشكل محاط بأعمدة، في حين ان صورة اخرى التقطت الاثنين لا يظهر فيها سوى بعض الاعمدة الواقعة على طرف المبنى المدمر. ويعد المعبد الذي يعود تشييده الى نحو الفي عام اشهر معابد المدينة المدرجة على لائحة «يونيسكو» للتراث العالمي للانسانية. وقال مدير الاثار والمتاحف مامون عبد الكريم لوكالة فرانس برس عبر الهاتف من دمشق: «ان المعبد كان اجمل ايقونة في سورية، لقد كان اجمل مكان يمكن زيارته». واضاف: «لكننا فقدناه الان الى الابد». واثارت سيطرة التنظيم على تدمر في 21 ايار مباشرة مخاوف حول اثارها والمواقع التاريخية فيها. ودان النظام «هذا الاعتداء البربري» الذي ارتكبه التنظيم، ودعا مجددا الى «القضاء على الارهاب». ونقلت وكالة الانباء الرسمية (سانا) عن مصدر في وزارة الخارجية ان «سورية التي راعها هذا الاعتداء البربري تجدد الدعوة الى تضافر كل الجهود الصادقة من اجل القضاء على الارهاب التكفيري الظلامي صونا للاستقرار والسلم الاقليمي والدولي وحفاظا على التراث الحضاري والثقافي للانسانية جمعاء». ودمر التنظيم في شهر تموز (يوليو) تمثال اسد اثينا الشهير الذي كان موجودا عند مدخل متحف تدمر، كما قاموا بتفخيخ المواقع الاثرية في حين تمكن العاملون في الاثار من نقل غالبية القطع الاثرية التي كان يضمها المتحف قبيل وصول عناصر التنظيم. ولا تنحصر جرائم التنظيم عند هذا الحد حيث قامت عناصره بقطع رأس مدير الاثار السابق للمتاحف في المدينة خالد الاسعد (82 عاما) ودمرت معبد بعلشمين الذي يعود لالفي عام. واكد «المرصد السوري لحقوق الانسان» وناشطون الاحد حدوث انفجار ضخم في معبد بل ما ادى الى تدمير اجزاء منه. واشار عبدالكريم الى الاثار الممتدة على الطرف الجنوبي الغربي من المدينة والتي تضم «عشرات المدافن العظيمة والمدرج الروماني ومعبد نبو الذي لم يتبق منه سوى القاعدة». ويبدو ان المدرج الروماني الذي يعود تاريخ بنائه الى ما بين القرن الثاني والثالث لم يصب باضرار، الا انه كان مسرحاً لتنفيذ مذبحة مروعة بعد فترة وجيزة من سيطرة التنظيم على المدينة حيث قام احد صبيان التنظيم بقتل 25 عنصرا من القوات النظامية. وقال عبدالكريم: «قتلوا تدمر والان سيرهبونها هذا كان آخر انذار قبل تدميرها كليا». من جهته، اعتبر شيخموس علي من «جمعية حماية الاثار السورية» تدمير المعالم «وسيلة للضغوط وتعذيب للسكان المحليين للقضاء على تاريخهم وذاكرتهم الجماعية». واضاف: «كما انها محاولة لتصدر عناوين الصحف»، محذراً من انه «كلما اعرنا الاهتمام في الاعلام لهذه الاعمال الوحشية كلما تمادوا فيها». واضحى العنف المروع وتدمير القطع الاثرية التي لا تقدر بثمن سمة مميزة للتنظيم الذي يحاول توسيع رقعة «الخلافة» التي يسعى لاقامتها في سورية والعراق. كما قام التنظيم، بالاضافة الى تدمير المواقع في سورية، بهدم تماثيل والاضرحة والمخطوطات في مدينة الموصل العراقية وهدم اثار مدينة نمرود جوهرة الامبراطورية الاشورية التي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. ويقول شارلي ونتر من «كيليام فاونديشين»، ومقرها لندن، ان تدمير المعالم الاثرية في تدمر واماكن اخرى «حتمية بحسب النظرة المتطرفة لان هذه المعابد تجسد الوثنية». واضاف انها تعود الى «الجاهلية» التي يعتبرها التنظيم بانها «لا تستحق الوجود». ويؤيد ونتر الفرضية التي تعتبر ان التنظيم يسعى للظهور في وسائل الاعلام في حين لم تعد تلقى وسائل قتله البشعة حجم الاهتمام الذي كانت تحظى به سابقاً. واستخدم عناصر التنظيم وسائل تقنية متطورة لبث الدعاية وجذب الاف المقاتلين الاجانب الى صفوفه. واشار ونتر الى ان شرائط الفيديو التي يبثها التنظيم «حول حرق الاشخاص وهم على قيد الحياة لا تحظى بالعناوين الرئيسية كما تفعله تدمر». واضاف الباحث ان التنظيم «كلما انتابه شعور بأنه سيفقد تدمر، كلما تعزز احتمال ان يدمر كل ما تبقى من تدمر» عندما يشعر بالمازق لدى اقتراب القوات النظامية من المدينة.