تعتبر السمنة أحد المؤشرات التي تهدد صحة الناس، وما تحمله من أمراض مختلفة في معيتها، إذ السكر وارتفاع الضغط وغير ذلك، لتشكل العدو الأول أمام الأطباء والمتخصصين لادراكهم بالمضار التي تنشأ عن السمنة وزيادة الوزن، وفي واقع الأمر فإننا أمام فريقين، فريق يشجعها بطريق غير مباشر، وفريق يحاربها بشكل مباشر، وهم الأطباء والاعلام وقادة القطاعات الصحية المختلفة، إذا كانت السمنة تشكل الخطر المهم في المجتمعات فإنها بالنسبة للاطفال تعتبر الخطر الأهم، وفي ما يخص الفريق الذي يشجع على استشراء السمنة طبقاً للمصلحة وليست الرغبة، ودائماً ما تتقاطع المصلحة مع الرغبة، غير أن التفوق غالباً وبكل أسف يصب في خانة المصلحة. إن شركات الأغذية تتفنن في ضخ الأنواع المختلفة من المعلبات والمعجنات وحلوى الأطفال، وأمام هذا الغزو التسويقي المحترف لهذه الأنواع من الأطعمة، فإن الشهية تخسر الرهان في الحرص على الصحة، وبالتالي فإن التهام ما لذ وطاب قد لا تكون نتائجه طيبة حينما تتحول هذه اللحوم والشحوم الى مزيد من الترهل، وزيادة في الدهون، وارتفاع في نسبة السكر، وكل هذا بلا ريب يتسبب في ارتفاع الضغط، وقس على هذه المعادلة انواع الأمراض المتعددة والتي تتهيأ لها البيئة لتفتك بالكبار والصغار في ظل الضعف المعرفي لسلبيات الافراط في الأكل، وتتنصل شركات الأطعمة من المسؤوليات الأدبية التي تحتم عليها تقنين منتجاتها، سواء في اطار الحرص على القيمة الغذائية والتحقق من نسبة السكر، وقد تجد البعض يحرصون على المنتجات «الدايت» أو الخالية من السكر، والسؤال هنا لماذا لا تكون معظم المنتجات «دايت»؟ فالمسألة اخلاقية بالدرجة الاولى وشركات الأغذية تستطيع أن توجد الحلول العملية الايجابية للحد من تورم البطون والكروش بما يسمن ولا يغني عن مرض. إن الكرة في مرمى المجتمع، في مرمى الأب والأم، في مرمى الشخص البالغ الراشد العاقل، في مرمى الفتاة الراشدة العاقلة، في مرمى وسائل الاعلام، في مرمى المسؤولين عن الصحة، في مرمى وزارة التربية والتعليم، المسؤولية جماعية ومشتركة لمواجهة هذا المد الغذائي، الذي يأتي الى بطوننا بحسن نية، ولكن لا يلبث أن يكشر عن أنيابه حينما يسقط الواحد تلو الآخر في براثن زيادة الدهون وتصلب الشرايين، إن الأنماط الاستهلاكية في مجال الغذاء تتجه وبكل أسف نحو الهاوية في ظل تجاهل الكثيرين للتحذيرات من مغبة الافراط في الأكل، وعدم ممارسة الرياضة، وغزو الأنواع المختلفة لعقول الكبار والصغار، والتي تعزف على أوتار الشهية التي تطرب لكل ما هو جديد ومغرٍ ولافت، ولا يحقق الفائدة الغذائية بقدر ما يتكدس في الأجسام كمخزون استراتيجي غير مرغوب فيه. إن المشكلة ليست في زيادة المخزون بل في تصريف هذا المخزون، فمن السهل على الانسان أن يملأ معدته بما لذ وطاب، ولكن من الصعب عليه التخلص من الفائض الذي يستقر ويطيب له المقام، فما يستهلكه الانسان في شهر ربما يحتاج الى سنين من الجهد والتمارين والحمية للتخلص منه، فلماذا كل هذا العناء؟ فما دامت الأمور والتعليمات وتحذيرات الأطباء واضحة، فلنفكر في الخروج قبل الدخول، وفي الوقاية قبل العلاج. إننا أمام تحديات تفرض علينا أن نواجه الواقع بإرادة قوية صلبة، فالكرة في ملعبنا وباستطاعتنا تناقلها بكل سلاسة وتحقيق الهدف متى ما غلبنا رؤيتنا على رغبتنا، متى ما قلنا لا للتكدس، نعم للقيمة الغذائية، نعم للفواكه والخضار الطازجة، نعم لقلة الدسم، نعم للقليل المغذي المفيد، لا للكثير الذي سيقبع في أركان الجسم، هذا المستعمر الجديد الذي تمنحه صلاحيات الدخول بملء إرادتك ولا تستطيع منحه تأشيرة الخروج، لأنه يدخل على كيفك ولكنه يخرج على كيفه هو، وخلال هذه الفترة لا تشتكي من وجع الظهر ووجع الرأس وآلام المفاصل، لأنك وبكل بساطة أشركته في ارادتك وقرارك، لم تملك الاستقلالية الكاملة في تحديد من يدخل ومن لا يدخل من الأصناف التي ما برحت ترهق الجيوب والبطون. إن مراقبة الوزن لا سيما لدى الأطفال من أهم الأمور التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار، فالأطفال لا ذنب لهم ولا يدركون مغبة السمنة وأخطارها المحدقة، كل ما هو مطلوب تكثيف الثقافة الصحية بشكل عام، بأن يتم الاشعار عبر وسائل الاعلام المختلفة ماذا يتوجب على أولياء الأمور أن يشتروا لأطفالهم، فالأب والأم لا يستطيعان مقاومة رغبة الطفل في شراء الحلاوة، غير أنهم لا يعلمون أي الحلاوة التي أخف ضرراً على الطفل، وأي سلوك استهلاكي يجب اتباعه لاشباع رغبة الطفل، وفي الوقت نفسه عدم الحاق الضرر به ولو على المدى البعيد، إن معاناة الأسر تكمن في الكم الهائل من الحلويات التي تمتلئ بها رفوف البقالات والتموينات. ان التواصل والتكاتف بين الجهات المختلفة من خلال تكثيف الارشادات له الأثر الايجابي الكبير، وفي المقابل فإن منظمة الصحة والجمعيات المعنية بحقوق الطفل وهيئة الطفل وهيئة الغذاء والدواء قادرة على ان تمارس صلاحياتها في الضغط على شركات الأغذية لتحدد الأنواع أو بالأحرى تتحرى الدقة والتركيز على القيمة الغذائية، وأن ترفع توصياتها الى الحكومات بعدم فسح البضائع التي لا تستوفي الشروط والمعايير، التي في ضوئها تقلل نسبة الخطر الذي يهدد صحة الجميع... «ودائماً وأبداً اليد الواحدة لا تصفق». مها عبدالعزيز الراشد صيدلانية في مدينة الملك فهد الطبية بالرياض