عاد «العمدة» لصدارة لوائح قيد الناخبين في النسخة الانتخابية الثالثة للمجالس البلدية في السعودية، بعد أعوام من اختفاء بريقه، وقلة زواره، وندرة تداول اسمه بين السعوديين. إلا أن هذا المنصب أصبح اليوم يتردد على المسامع، سواءً من العامة، أم الناخبين والناخبات، فالأيام الماضية جعلته محور اهتمام، والكل يطلب وده، للحصول على «مشهد» منه، أو «التصديق» على عقود إيجار مساكن قاطني حيه. ف«مشهده» هو الإثبات القاطع لمقر سكن الناخب، وهو الورقة الحاسمة في رفض أو قبول تسجيل الناخب، خصوصاً «المرأة»، على رغم أنه خيار من خيارات أخرى منصوص عليها في لائحة قيد الناخبين. وهذا ما أكده أعضاء عدة في اللجان التنظيمية للانتخابات البلدية، إذ أشار المنسق العام للجنة المحلية للانتخابات البلدية في مكةالمكرمة إيهاب الرفاعي إلى أن «مشهد» العمدة أحد الخيارات المعتمدة في اللوائح الانتخابية، لإثبات مقر سكن الناخب. وقال الرفاعي ل«الحياة»: «اللائحة الانتخابية حددت وثائق ومستندات لإثبات مقر السكن، والمفترض أن يتم اعتماد واحدة من تلك المستندات فحسب»، لافتاً إلى أن المستندات اللازم توافرها لإثبات سكن الناخب في سكناه مع غيره هي بطاقة العائلة لولي الأمر، تُقدَّم مع هويته الوطنية، إضافة إلى صورة من صك ملكية المنزل الذي تقيم المرأة فيه، أو عقد إيجار مصدق من العمدة ومختوم عليه من مركز الشرطة التابع للحي، أو صورة من أي فواتير الخدمات العامة الموضح فيها الاسم وعنوان السكن». وأوضح أن «مشهد» العمدة يقتصر على الحالات التي يتعذر فيها سجل الأسرة (بطاقة العائلة)، إذ يصبح مشهد العمدة إثباتاً أساسياً لمقر إقامته. بدوره، قال عضو اللجنة التنظيمية للانتخابات البلدية عبدالله المنصور ل«الحياة»: «إن وجود إثبات السكن شرط أساسي لتسجيل الناخبين في هذه الدورة الانتخابية، بهدف ضبط العملية الانتخابية وتجنب السلبيات والظواهر غير النظامية التي ظهرت في الدورتين الماضيتين من (محسوبيات)، وما يتبعها من تكتلات وتضامنات وغيرها». من جهته، أوضح المتحدث باسم الانتخابات البلدية في جدة سعود التويم أن «إثبات السكن من الضروريات، حتى بالنسبة إلى الناخبين المسجلة أسماؤهم في الدورات السابقة». وقال ل«الحياة»: «في حال تغير مقر سكن الناخب السابق، أصبح يتطلب منه تحديد معلوماته في المركز الانتخابي التابع للدائرة التي يقع فيها منزله». وعلى رغم أن إثبات مقر السكن، جعل «العمدة» متصدراً في المشهد السعودي هذه الأيام، بشكل قوي ومؤثر، إلا أن هذه الأهمية ل«العمد» ليست مستحدثة في السعودية، والمنصب موجود منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز. وأصدرت السعودية أول نظام يحدد صلاحياته ومهماته على مستوى الحي المنصّب عليه في عام 1349ه، وبعد مرور 14 عاماً، وتحديداً عام 1944 الموافق 1363ه، أضيفت إلى النظام الأول للعمدة مهمات جديدة، تتلخص في مراقبة السجلات الشخصية والأشخاص المشبوهين، والإبلاغ عن حالات الوفاة المشتبه فيها وعن الدجالين والمشعوذين، إضافة إلى تكليف العمدة بتقديم تقرير للشرطة كل 24 ساعة يتضمن تفاصيل ما يحدث في حيه. واستمر العمل بموجب هذا النظام حتى عام 1369ه، إذ صدر النظام الثاني المنظم لعمل العمدة من مديرية الأمن العام، وهو الجهاز الحكومي الذي يتبعه العمدة، وتضمن النظام الجديد 32 مادة وفقرة، شملت غالبية مواد النظام القديم بعد تنقيحها لتواكب مستجدات ذلك الوقت، مع إضافة عدد من المهمات الجديدة. إضافة إلى مواد في النظام تنص للمرة الأولى على محاكمة العمد وأعوانهم في حال إهمالهم أو تقصيرهم في أداء أعمالهم. وبعد منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، عُقدت ورش عمل واجتماعات تهدف في مجملها إلى الارتقاء بعمل عُمد الأحياء، خصوصاً أن لهم بحسب الموروث السعودي دوراً كبيراً يتمثل في العلاقة التكاملية التي تربطهم برجال الأمن، ولاسيما في رفع التقارير الدورية للجهات الأمنية، التي تشمل بحسب النظام كل ما يلاحظه ويرصده في الحي، وكذلك اقتراحاته والحلول للظواهر والمشكلات، ليتم وضعها تحت الدراسة. عُمد: 60 في المئة من طالبي «إثبات السكن» نساء كشف عُمد أحياء في محافظة جدة، ارتفاع معدلات الطلب على إثبات السكن في نطاق الأحياء خلال الأيام الماضية، بهدف التسجيل في قيد الناخبين، الذي انطلق منذ مطلع الأسبوع الجاري في مدن ومناطق السعودية كافة. فيما سبقتهما مكةالمكرمة والمدينة المنورة بأسبوع. وأكد العُمد أن 60 في المئة من مقدمي طلبات إثبات السكن من النساء، واللائي لا تملك عدد منهن المستندات الأخرى، لإثبات السكن، مثل صك ملكية المنزل، أو عقود إيجار باسمهن، منوهين إلى أن طلبات إثبات السكن المقدمة من الرجال تكون في الغالب من أشخاص لا يملكون الوثائق الرسمية، بسبب ضياعها، أو إقامتهم مع الغير. وتوقعوا أن ترتفع معدلات الطلب على إثبات السكن خلال الأسبوعين المقبلين. وهي الفترة المحددة لقيد الناخبين، إذ وصل متوسط طلبات «مشهد العمدة» لإثبات السكن ما يراوح بين 16 و20 طلباً، موضحين أن معدل عدد الطلبات يختلف في الأسبوع الأول من قيد الناخبين، من حي لآخر في محافظة جدة. وقال عمدة حيي الحمراء والأندلس في جدة مشعل الدوسري ل«الحياة»: «إن سكان الحي الذين يطلبون إثبات مقر مسكنهم هم من الذين لا يملكون إثبات (مستند) صك ملكية السكن الذي يقطنون فيه داخل الحي». وأضاف: «إن الشريحة الأكبر التي تقدمت بطلب الحصول على «مشهد العمدة» أو إثبات السكن هم من النساء، وتبلغ نسبة طلباتهم من إجمالي الطلبات داخل الحي 60 في المئة». وتوقع أن يرتفع عدد هذه الطلبات في الأسبوعين المقبلين، خلال مرحلة قيد الناخبين، عما هي عليه في هذا الأسبوع. وزاد الدوسري: «عدد الطلبات المقدمة يعد ضئيلاً قياساً بعدد سكان الحيين، اللذين يُعدان من أكبر الأحياء في المحافظة، إذ تراوح بين 16 و20 طلباً يومياً»، مرجعاً سبب انخفاض معدل الإقبال على قيد الناخبين خلال اليومين الماضين إلى تزامنه مع عودة الطلاب للمدارس، وكذلك عودة الغالبية من إجازتهم. ويتفق معه عمدة حي أبحر الجنوبية حمزة الثبيتي، الذي قال ل«الحياة»: «إن الطلبات الواردة بخصوص إثبات السكن داخل حدود الحي قليلة جداً، ولاسيما أن المستند الرئيس لإثبات السكن هو صك ملكية السكن». ونوه إلى أن معدل الطلبات في الأيام الماضية لم يتجاوز 5 طلبات، للحصول على إثبات سكن داخل نطاق الحي»، وزاد: «إن هذا الإجراء يدخل ضمن اللوائح والأنظمة الخاصة بالانتخابات البلدية، وهو جزء من المهام المكلف بها عمدة الحي». وأشار الثبيتي إلى أن مهام العمدة متعددة وكثيرة، منها ما يندرج في جوانب تطوير الحي، وأخرى في الجوانب الأمنية داخل الحي، ورصد الملاحظات بشتى أنواعها، بما يضمن حفظ أمن السكان وسلامتهم. ... وسيدة تشكو من غيابه اشتكت مواطنات من الإجراءات المعقدة في قيدهن كناخبات، مؤكدين أن ذلك أدى إلى انخفاض إقبال المرأة في هذه المرحلة في الانتخابات البلدية خلال دورتها الثالثة، وطالبن في الوقت ذاته بإيجاد حلول لهذه العراقيل بشكل عاجل، من أجل جذب العنصر النسائي للمشاركة في العملية الانتخابية كناخبة ومرشحة، وأكدت المواطنة سحر نصيف أن إجراءات قيد الناخبات في الانتخابات البلدية خلال دورتها الثالثة شهدت بعض العقبات التي أدت إلى انسحاب بعض السيدات من قرار قيد أسمائهن كناخبات، مشددةً على أن العمدة الغائب عن مكتبه صعّب من الحصول على التصديق اللازم من قبله على صك المنزل أو عقد الإيجار. وقالت: «متطلبات التسجيل التي كانت تتمثل في صك المنزل وصك إيجار مصدق من العمدة الغائب عن مكتبه، والكثير من السيدات لا يعلمن صلاحيات المجلس والفائدة المرجوة منه، لذا نحث الجميع على التصويت وخدمة الوطن وانتهاز فرصة المشاركة في صنع القرار». وأرجعت ضعف الإقبال إلى عدم وجود توعية للشبان و الشابات، وقالت: «قبل الانتخابات بأسبوعين حضرت دورة تعريفية، وكان عدد الحضور قليل جداً، وكان من واجب الأمانة عمل دورات تعريفية أكثر في المدارس والجامعات وحتى المساجد». من جهتها، قالت المستشارة القانونية هالة الحكيم ل«الحياة»: «الإقبال كان مرحب به خصوصاً من فئة العاملات، إلا أن ضعف الحملات الإعلامية من وزارة الشؤون البلدية والقروية ترك بعض الغموض في الإجراءات وتم تفاديها بجهود تطوعية من خلال العاملات في الدوائر لشرح الإجراءات الخاصة بالانتخابات في مراحلها كافة». وعن رأيها في دخول المرأة و مشاركتها في الانتخابات تضيف: «خطوة جيدة لتعزيز روح المواطنة، ومشاركة المواطن في صنع القرارات». وتشاركها آمال العبادي الرأي إذ تقول: «إقبال النساء كان كبيراً في البداية، والكثير من النساء حضرن إلى الدوائر يحملن الهوية الوطنية في اعتقادهن أنها تكفي للتسجيل، ما أدى إلى تراجع عدد كبير من السيدات لأنهن بحاجة إلى تعاون من الزوج أو الابن للحصول على إثبات السكن، في الوقت ذاته أيضاً أغلب مواقع التواصل الاجتماعي تزرع الشك في دور المرأة».