حلم الوحدة العربية والاتحاد العربي، يراود كل إنسان يعيش على امتداد هذه الرقعة الواسعة من المحيط إلى الخليج، يظل أملاً عالقاً في الأذهان، وراسخاً في الوجدان، يلوح في الآفاق دوماً، نتمنى إدراكه، ونتوق إلى رؤيته واقعاً لا خيالاً، على رغم توافر مقومات إنجاحه وتحقيقه، من وحدة الدم واللغة، للدين الواحد، والإله الواحد، إلا أنه لا يزال يراودنا في ساعات الليل الطويل، وحين تنسحب الشمس يائسة تلملم معها آخر شعاع نور، تتوارى في استحياء خلف هذا الغسق الذي يطاردنا من بعيد، لا نملك إلا أن نطلق عنان أحلامنا، نسافر معها بخيالنا، نقلب صفحات تاريخنا، ونتنقل بين أمجاد عصوره الذهبية. أمام روعة ما نقرأ، وجمال ما نشاهد، يغلبنا حب الإطلاع على مزيد من مظاهر العلم والحضارة والتقدم، تحركنا رغبة البحث، تأخذنا عظمة الإبداع الهندسي وفنون العمارة والبناء، تسبقنا خطواتنا، نتجاوز حدود المكان والزمان، نرتحل من بلد إلى بلد، نقف على تخوم الصين، نعبر اليونان، نصل الأندلس، لا تقيدنا الحدود ولا الحواجز، ولا ترهقنا حمى التنقيب في حقائبنا، وبطوننا، وظهورنا، وأفكارنا، لا تستوقفنا لجان التحقيق والتفتيش عند كل زاوية، لا نفقد أعصابنا، ننتظر تأشيرة أو ختم العبور، في كل مكان تحط رحالنا، لا تشتتنا الأعلام، ولا الأحزاب، ولا الجماعات، راية واحدة تجمع الأصول والألسنة والألوان، إنها راية الوحدة. لكن الأحلام الجميلة سرعان ما تنقضي، لا يكتب لها طول البقاء، استفقنا على دوي المدافع، وأزيز الطائرات في سماء القدس، تلك التي أقضت مضجع الجولان، وأقلقت سكون بغداد، تبعثرت أحلامنا بين أرتالٍ عسكرية ضاقت بها شوارع الكويت، وقواعد حربية شوهت ملامح الدوحة الجميلة، حاولت أن تبحر في الخليج، فلم تجد أحلامنا مكاناً بين حشود المقاتلات البحرية المتمركزة بطول الساحل أو المتربصة بالقاع، صدها ما يجري على أبواب البحر الأحمر وفي الصومال، سارعت إلى الخرطوم فواجهتها حركات تمرد دارفور وانفصال الجنوب، تماماً كما يحدث بين شمال اليمن وجنوبه، لم تستطع المرور بين المغرب والجزائر لإغلاق الحدود لإشعار آخر، سعت إلى الاستقرار في الرباط فعاجلتها مشكلة الصحراء المغربية، عادت أدراجها إلى طرابلس الغرب لتعاني فجائية ولحظية القرارات، فكرت في البقاء بالقاهرة فانشغلت عنها بالحدود مع غزة، أرادت الرحيل إلى لبنان فهاجمها حزب الله، رجعت إلى الرياض لتؤرقها عصابات الحوثيين والقلاقل القريبة من الحدود في كل اتجاه. لم تجد أحلامنا مكاناً تستقر فيه وتكتمل، أليس من حقنا أن نحلم؟! أليس من حقنا أن نرى دولنا العربية تخطو خطوات جادة نحو تحقيق أحلامنا؟ التحركات المريبة للقوات الأجنبية في المنطقة، تُشعرنا بالخوف والقلق على بلداننا العربية وشعوبها، تجبرنا نتساءل: أي الدول العربية ستصاب بلعنة الغرب؟! ما الدولة التي ستنهشها فيروسات التحالف الخبيث؟! فيروسات الفتنة الطائفية، والجماعات المسلحة، والمتمردين، فيروسات إثارة الفوضى، ونشر الفساد، وأخيراً فيروسات الإرهاب المقيتة. لقد كفر الغرب بتعهداته، وارتد على وعوده، واعترف أخيراً غير آبه ولا نادم أنه أفرط في الأمنيات، وبالغ في التوقعات، ليعود من جديد من دون خجل مطالباً العرب بمزيد من الخضوع، والتنازلات، حتى يتواصل مسلسل التفكك، والسقوط، والانهيارات، أليس من حقي أن أخاف؟ إن وحدة الصف العربي ضرورة عصرية، تقتضيها متطلبات المرحلة الحالية، ومطلب جماهيري لا يحتمل التأجيل أو العدول عنه، وأن الدول الكبرى، مثل مصر والسعودية مطالبة أمام الشعوب العربية بالقيام بمسؤولياتها التاريخية نحو الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وسلامة أراضيها... أعتقد أنه من حقي أن أحلم!! [email protected]