في التسعينات، وبعد اتفاقات أوسلو، اعتقدنا أن السلام مقبل، وقبلنا من فلسطين بأقل من ربعها، وشجعنا أبو عمار وأبو مازن وأبو العلاء وزملاءهم على السير في طريق السلام، وهو منقوص يظلم الفلسطينيين، وكان ما كان ما يعرفه القارئ ودمرت العملية بوصول مجرم الحرب آرييل شارون الى الحكم في شباط (فبراير) 2001. فلسطين كلها للفلسطينيين، ولا أثر فيها لممالك اليهود أو أنبيائهم الكذبة، أو الذين لم يوجدوا إلا في خرافات توراتية. مع ذلك أيدت السلام في حينه وعملت له، ولا أزال أؤيده منقوصاً لأنني ضد كل حرب وقتل وتدمير. غير أنني أشعر اليوم بأن السلام مستحيل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية فهي عصابة حرب فاشستية تمثل مستحيلاً آخر لأنني اعتقدت يوماً أنه يستحيل أن يوجد وحش بشري أسوأ من شارون، وجاءت حكومة ينافسه أعضاؤها جميعاً في نزعات القتل والتدمير وسرقة بيوت الفلسطينيين، فيما بنيامين نتانياهو يتآمر على كديما عبر شاؤول موفاز، وايهود أولمرت يؤلف كتاباً يهاجم فيه ايهود باراك. رجل العصابات افيغدور ليبرمان كان هدد بضرب السد العالي بقنبلة نووية، وهو ما لم يقله محمود أحمدي نجاد فهذا طالب فقط بإلغاء إسرائيل عن الخريطة، وهذا ممكن بعودة يهود الخزر من حيث جاؤوا، وليبرمان اتبع ذلك مهدداً بحرب على سورية، بل مهدداً أسرة الدكتور بشار الأسد، كما يفعل أي حارس مواخير في مولدافيا وهو يهدد بتشويه وجه أحد الزبائن بموسى حلاقة. وبين هذا وذاك هو يهدد لبنان، وقد هاجم أخيراً رئيس الوزراء سعد الحريري الذي عرفته على مدى سنوات ولا أجد في العالم مثل أخينا سعد وما يمثل فهو نقيض ليبرمان في دماثته وصدقه وحسن تعامله مع الناس. ليبرمان يواجه تهم فساد في اسرائيل وهو يرأس حزب مهاجرين من الروس والأوروبيين الشرقيين، كثيرون منهم لا يتكلمون العبرية ولم يكونوا يهوداً في الأصل وانما هاجروا الى اسرائيل فراراً من جنّة الشيوعية. وليبرمان نفسه يكلّم حراسه بالروسية، والى درجة أن حراساً آخرين شكوا من أنهم لا يفهمون ما يدور حولهم. والرجل الثاني في حزب هؤلاء المهاجرين الاقتصاديين، أي اسرائيل بيتنا، هو أوزي لانداو، وزير البنية التحتية، الذي تبرع أخيراً بحديث من نوع ما يدور في مجالس المافيا فقال إن أبو مازن مثل أبو عمار (وهذا شرف له) وإن الفرق أن واحداً كان يقتل على طريقة مجرم في لندن اعتاد تمزيق جثث ضحاياه وأن الثاني يقتل على طريقة مجرم في بوسطن كان يخنقهم. أريد أن أهبط الى درك لانداو ليفهم عليّ، وأقول إن «صرماية» أبو عمار الباقية في المقاطعة أشرف من زعماء اسرائيل الأحياء والأموات مجتمعين. وعندما يتحدث لانداو عن مجرم بريطاني أو أميركي فلأنه لا يعرف غير جو الجريمة الذي طلع منه، وإذا كان لي أن أصف لانداو فلا شيء أقرب الى مثله من مجرم حرب نازي قد يكون جوزف غوبلز أو جوزف الآخر أي جوزف منغلي، «ملاك الموت». لا أحد يحب اسرائيل فهي ورثت أفريقيا الابارتهيد، أو التفرقة العنصرية القديمة، دولة كريهة مكروهة ليس لها إلا اللوبي اليهودي وأعضاء في الكونغرس ينامون في جيبه، بعد أن أصبحت تلة الكابيتول بفضلهم أرضاً تحتلها اسرائيل. أكتفي بالجامعات فطلابها هم مستقبل العالم، وأعضاء الحكومة الإسرائيلية والمدافعون عن اسرائيل، أي شركاؤها في الجريمة ضد الفلسطينيين، لا يتحدثون في جامعة إلا ويثور الطلاب عليهم ويتهمونهم بالقتل. وفي الأيام الأخيرة فقط قاطع طلاب في جامعة أكسفورد داني ايالون، نائب ليبرمان، وأسكتوه، كما قاطع طلاب آخرون السفير الإسرائيلي لدى الولاياتالمتحدة مايكل اورن وهو يتحدث في جامعة جنوب كاليفورنيا. الطلاب هؤلاء وغيرهم قد تفصل بينهم عشرة آلاف كيلومتر، وهم يثورون بعفوية احتجاجاً على جرائم اسرائيل، غير ان ناتان شارانسكي، رئيس الوكالة اليهودية وأحد تجار المحرقة، لا يرى جرائم اسرائيل اليومية ونازيتها ضد النساء والأطفال الفلسطينيين، وانما يرى هتاف الطلاب لذلك أعلن أنه سيشكل «كوماندوس علاقات عامة» للهتاف ضد أنصار فلسطين والفلسطينيين، والرد على هتافات الطلاب من معارضي اسرائيل. وهو في انحيازه الأعمى لدولة الفاشيست في اسرائيل لا يرى الفرق بين طالب يعمل بوحي ضميره، وعضو عصابة منظمة ليس أمامهم سوى ارتداء قمصان بنيّة اللون لنعرف أنهم ليسوا طلاباً. في اسرائيل اليوم عصابة جريمة لن يقوم سلام معها، وربما استغرب القارئ أن أقول له ان كل زعيم فلسطيني قابلته أخيراً، بمن فيهم الذين يفترض فيهم أن يفاوضوا، قال إن لا سلام ممكناً مع هذه الحكومة الإسرائيلية، وإن كل زعيم عربي قابلته قال كلاماً مماثلاً، فهي لا تخدع أحداً سوى أمثال شارانسكي لأنه يريد أن ينخدع. حكومة ليكود وشاس واسرائيل بيتنا عار على اليهود في اسرائيل وحول العالم، وهي لا تمثل كل اليهود، فألوف منهم طلاب سلام يدافعون عن حقوق الفلسطينيين والى درجة التظاهر معهم ضد الجدار وهدم البيوت، ويجب ألا ننسى هؤلاء. [email protected]