حذرت «لجنة الصناعة البريطانية لذروة النفط والأمن النفطي» في تقريرها السنوي الثاني من أزمة نفطية عالمية خلال خمس سنوات يمكن أن تترك آثاراً مدمرة على الاقتصاد العالمي في شكل أسوأ من الأزمة المالية العالمية. ونبه التقرير الحكومة البريطانية من حصول نقص في الإمدادات وارتفاع في الأسعار. يشارك في عضوية اللجنة، صاحب شركة «فيرجين» ريتشارد برانسون، ومدير شركة «سكوتيش أند ساذرن إنرجي» أيان مرجينت، ومدير «ستايج كوتج» براين ساوتر. ويوصي التقرير الحكومة البريطانية باتخاذ إجراءات كي لا تواجه بريطانيا المصير ذاته الذي واجهته أثناء الأزمة المالية العالمية الأخيرة. ويورد التقرير الآتي: «ستواجه الحكومة المقبلة مشكلة عدم استقرار أسعار المنتجات البترولية وإمداداتها، ما سيؤدي إلى نقصان في المواد الاستهلاكية ويؤثر سلباً في الأمن الطاقوي البريطاني».وعدد التقرير أسباباً للأزمة المحتملة، منها النقص في المعدات، وعدم توافر آلات حفر كافية للتنقيب أو لتطوير الحقول، والنقص في اليد العاملة الماهرة. وتقترح اللجنة على الحكومة تطوير بدائل الطاقة المستدامة في سرعة، خصوصاً في قطاع المواصلات. تتباين الآراء حول «ذروة النفط»، وتطرق إلى هذا الموضوع أخيراً، قبل صدور تقرير «لجنة الصناعة» البريطانية، كل من المدير التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية» خالد الفالح، والمدير التنفيذي لشركة «بي بي» البريطانية توني هاورد، إضافة إلى مسؤولين آخرين. الواضح في الأمر أن هناك اليوم احتياطاً نفطياً كافياً في العالم، إذ ما يزال هناك نحو ثلاثة بلايين برميل من الاحتياط تقريباً، مع العلم أن نحو بليون برميل استُخرِجت منذ انطلاق صناعة النفط العالمية. إذاً المشكلة ليست في وجود نفطٍ كافٍ أم لا، بل في حجم الاستثمارات ونوعيتها، وقدرة الدول المنتجة على زيادة طاقتها الإنتاجية في الوقت المناسب، متخطية بذلك العقبات السياسية. تطرق الفالح إلى موضوع ذروة النفط، فذكر «أن الإنتاج العالمي في ارتفاع مستمر حتى 2020 - 2030. وتشير توقعات شركة أرامكو السعودية إلى إمكانية تحقيق إضافة سنوية عالمية بمعدل مليون برميل يومياً وذلك لتلبية الطلب العالمي المتزايد والتعويض عن النقص السنوي الحاصل في الحقول المنتجة المقدر بنحو ثلاثة ملايين برميل يومياً». ودعا العالم إلى «أن ينبذ جانباً مخاوفه في شأن ذروة النفط»، مشيراً إلى أن ثلث طاقة السعودية من النفط غير مستغلة، لكنه جاهز للعمل في مدة قصيرة جداً. ورأى «أن خطط الشركة هي استثمار نحو 120 بليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة في مجال إنتاج البترول والتكرير والصناعة البتروكيماوية، وهدف السعودية هو مضاعفة قدرتها التكريرية بأكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً، إضافة إلى تشييد المصافي في الصين وكوريا والولايات المتحدة. يُذكر أن إنتاج السعودية الحالي هو نحو ثمانية ملايين برميل يومياً، بينما تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 12.50 مليون برميل يومياً، وتخطط «أرامكو السعودية» لزيادة طاقتها إلى نحو 15 مليون برميل يومياً في المستقبل المنظور. وأضاف الفالح: «على رغم أن معظم الباقي من النفط في العالم يصعب استغلاله، إلا أن العالم يستطيع أن يضيف إنتاج 95 إلى مئة مليون برميل يومياً من النفط الخام»، مع العلم أن معدل الإنتاج السنوي الحالي هو نحو 85 مليون برميل يومياً ويتوقع أن يصل إلى 105 ملايين برميل يومياً عام 2030. وتشير اللجنة البريطانية في هذا الصدد إلى إمكانية زيادة الإنتاج العالمي نحو 92 مليون برميل فقط بحلول 2030. وأكد هاورد أن شركته تتوقع أن يصل الإنتاج النفطي العالمي إلى حال مستقرة نسبياً (من دون زيادة أو انخفاض ملحوظين) حتى الفترة ما بين عامي 2020 و2030. كما أشار إلى أن توقعات شركته تؤكد أن الاحتياط العالمي للنفط سيبقى كافياً لتلبية الزيادة في الطلب، وأضاف: «هناك نفط كافٍ في العالم، هذه هي الحقيقة.» ورجّح هاورد «أن يبدأ الطلب على النفط الخام بالانخفاض قبل أن يصل احتياط النفط «ذروته»، ونوّه «أن أكثر من 60 في المئة من احتياجات الطاقة العالمية حتى عام 2050 ستبقى معتمدة على الوقود الأحفوري»، لافتاً في هذا الخصوص إلى أن سياسات الدول الصناعية تؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط بنحو واحد في المئة سنوياً، لكن الانخفاض يُعوَّض بالزيادة في الطلب من الدول الناشئة. وتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط بعد عام 2020 إلى نحو 95 إلى 110 ملايين برميل يومياً. يكمن ضعف الصناعة النفطية العالمية في الاضطرابات السياسية في دول منتجة مهمة، مثل العراق (من غير المعروف إذا كان سيستطيع تنفيذ برنامجه التوسعي خلال هذا العقد في ظل آثار سياسة اجتثاث المعارضة بدل اللجوء إلى الانتخابات)، أو إيران (تعقيدات الملف النووي)، أو نيجيريا (تزداد فيها حوادث تخريب المنشآت النفطية واختطاف العاملين في الشركات الدولية)، أو فنزويلا (تعاني من اضطرابات سياسية واجتماعية). وجدير بالذكر أن الإنتاج النفطي في هذه الدول النفطية الأربع تراجع بدلاً من أن يزداد. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة