واشنطن - «نشرة واشنطن» - تواجه عملية إعادة النظر التنظيمية الشاملة الجارية لجعل النظام المالي الأميركي أقل عرضة لخطر الأزمات مصيراً مجهولاً، في وقت تشن فيه الأطراف المعنية وصانعو السياسة والمشرعون مناورات، سعياً وراء فرص تمكن من ممارسة ضغوط من خلال الكونغرس الأميركي لتغييرها أو وأدها. وأعلن السناتور الديموقراطي كريستوفر دود، رئيس لجنة المصارف في مجلس الشيوخ، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عن مشروع قانون للمناقشة، ووعد بالعمل مع الأعضاء الجمهوريين للخروج بتشريع متفق عليه من الحزبين، لكن لم تظهر حتى الآن أية بوادر على تحقيق أي تقدم. وكان مجلس النواب وافق في أيلول (سبتمبر) الماضي على مشروع قانون للإصلاح المالي مدعوم من البيت الأبيض، صوّت ضده كل الأعضاء الجمهوريين في المجلس. وعلى مجلس الشيوخ أن يوافق على مشروع قانون تعدّه لجنة المصارف وتوافق عليه، كما يجب التوفيق بين محتوى قانوني مجلسي النواب والشيوخ قبل أن يُحال مشروع القانون الموحّد إلى الرئيس ليوقعه ويصبح قانوناً ساري المفعول. ويحاول كل من مشروعي القانون المطروحين للبحث في مجلسي الشيوخ والنواب معالجة ما يعتقد المشرعون في المجلسين أنه «الأسباب الجذرية للأزمة المالية والهيكلية التنظيمية المعقدة غير الفاعلة والمجازفات المفرطة التي ترتكبها المؤسسات المالية الكبرى التي يشكل فشلها وانهيارها خطراً على النظام المالي برمته، وعدم تمتع الحكومة بالصلاحيات الكافية للتعامل مع المصارف الكبرى المنهارة وحماية المستهلكين». لكن جهود الطرفين تختلف في الكيفية التي يعالجان فيها القضايا الأساسية، ما يجعل إمكانية تسوية الخلافات مهمّة عسيرة. فاقتراح مجلس الشيوخ ينوي إلغاء معظم الوكالات التنظيمية القائمة حالياً ونقل صلاحياتها إلى هيئة تنظيمية عليا واحدة، بينما ينصّ مشروع قانون مجلس النواب على دمج ثلاث وكالات، مع تعزيز سلطات المشرفين على التنظيم وصلاحياتهم. ويهدف مشروع مجلس الشيوخ إلى استحداث وكالة جديدة تعمل على تحديد ومعالجة الأخطار التي يتعرض لها النظام المالي كله، نتيجة مجازفات المصارف الكبيرة والمنتجات المالية المركّبة. ويمنح مشروع قانون مجلس النواب هذه الصلاحية إلى المصرف المركزي الأميركي، لكنه يفرض على المصرف مشاركة المشرفين الرئيسين الآخرين على التنظيم في صلاحيات صنع القرار. وجاءت خسارة الديموقراطيين مقعداً هاماً حاسماً في الانتخابات في ولاية ماساتشوستس أخيراً (لشغل مقعد السناتور الراحل إدوارد كنيدي) لمصلحة الجمهوريين لتحرمهم من الطريق المضمون لتحقيق انتصارات تشريعية، ودلّت على الاستياء الشعبي من ضعف الاقتصاد المحلي والتجاوزات التي ترتكبها «وول ستريت». وتوقع الخبير في «معهد إنتربرايز الأميركي» بيتر واليسون أن ينتزع الجمهوريون بعض التنازلات، واستبعد أن يعيقوا العملية إلى حد وأد التشريع. وتابع أن الانتخابات نصف السنوية في تشرين الثاني المقبل، التي ستُجرى في نصف الفترة الرئاسية وينتخب فيها كل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وحكام الولايات الأميركي، تشكل ضغوطاً على المرشحين الجمهوريين، إذ لا يحتمل أن «يتوجهوا إلى ناخبيهم من دون أن يكون لديهم ما يقولونه لهم عما قاموا به لمعالجة الأزمة المالية». وقدّم الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ ذلك الحين مشروعاً للعودة عن تعزيز القطاع المالي والحدّ من نفوذ المصارف التجارية بتحديد حجمها ومنعها من التعامل في الاتجار المجازف بالملكيات، وفرض ضرائب مناسبة لحجمها. وجدد في خطابه عن حال الاتحاد في 27 كانون الثاني (يناير) الماضي تأكيد «دعمه لقانون صارم للإصلاح المالي وهدد برفض أي تشريع يقصر عن تحقيق توقعاته، باستخدام حقه في النقض». وحقق، بتصديه المباشر للمصارف الكبيرة، للمشرعين من الحزبين غطاء نحو التشريع وعدم التهرب من مسؤولية الحكم ومعالجة المشاكل المحلية، من أجل النمو الاقتصادي والاستقرار المالي. وأفاد خبراء بأن «ملاحظات أوباما الأخيرة تضفي طابع الاستعجال على عملية التشريع، ومن شأنها زيادة وعي الشعب بدور المصارف في التسبب في التراجع الاقتصادي». وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أن موقف الحكومة أدى إلى انطلاق مجهود دعائي مكثف من قبل المصارف التي أقلقتها إمكانية أن يسير التشريع في اتجاهات مغايرة لرغبتها. وأفاد الخبير في «معهد إنتربرايز الأميركي» ديزموند لاكمان بأن أوباما يعتزم جعل المصارف الأميركية أكثر كفاءة وأقل عرضة للأزمات، لكن فرص تمرير القانون ضئيلة بسبب مقاومة المصارف الشديدة. وأوضح دود أن البيت الأبيض سائر بمقترحاته الجديدة «على المسار الصحيح»، ووجه اللوم في جلسة استماع في 4 شباط (فبراير) الجاري إلى المؤسسات المالية الكبرى على رفضها العمل «البنّاء» مع الكونغرس، وكان دود أعرب قبل يومين عن وجهة نظر مختلفة نوعاً ما، شاكياً من أن «خطة أوباما تجعل المفاوضات الدقيقة أكثر صعوبة، بإضافته طبقة أخرى من طبقات التعقيد عليها». وعبّر ممثلو الصناعة المالية والمصرفية في جلسة الاستماع عن هواجسهم وشكوكهم تجاه الخطة، إلا أن أحد كبار المديرين التنفيذيين الماليين أدلى بشهادة في الجلسة، ودافع عن اقتراحات الحكومة وعن مؤسسة مستقلة للحماية المالية يحاربها القطاع المالي. ويعتقد معظم الخبراء أنه سيكون من الصعب على مشروع «قانون دود» أن يحظى بالموافقة ويمر في مجلس الشيوخ بشكله وصيغته الأصلية، وأنه من المحتمل تقليص صلاحيات مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي) أو تغييرها.