ليس سراً أن مصر الشعبية والرسمية لم تكن تتمنى إسناد حقيبة الخارجية الإسرائيلية إلى افيغدور ليبرمان. فمصر الشعبية ترى فيه نموذجاً لا يمكن قبوله حيث تختزل مواقفه كل مشاعر الحقد والكراهية ضد العرب، أما مصر الرسمية فلم تنس إساءته للمصريين عموماً والرئيس حسني مبارك خصوصاً، كما أنها توقعت إحراجاً بالغاً ستتعرض له الأجهزة الرسمية المصرية عند تعاملها مع المسؤول عن السياسة الخارجية الاسرائيلية وهذا ما حدث. والمؤكد أن تكرار الحديث عن قيود أو التزامات معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية لا يدخل إلا في باب "تقليب المواجع". ويبدو أن زيارة رئيس الاستخبارات المصرية الوزير عمر سليمان لإسرائيل كسرت حاجز الجمود الذي غلّف العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ فوز اليمين الإسرائيلي ونجاحه في تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة بنيامين نتانياهو. والمؤكد أن القاهرة في مبادرتها تجاه إسرائيل تحاول إنقاذ الملفات من الإرجاء والتأجيل، كما حدث سابقاً، عندما أعلنت شبه قطيعة مع حكومة شارون، لكن التعاطي الرسمي المصري مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة جاء بموازاة حملة على مصر تتبناها إيران وحلفاؤها على خلفية قضية "حزب الله". فالمقارنة بين تعاطي مصر مع إسرائيل ومع إيران أو «حزب الله» أو حركة «حماس» ستفرض نفسها ما يضع اعباءً أخرى على الديبلوماسية المصرية. حملت زيارة سليمان رسائل عدة ربما أبرزها أنها قادرة على فتح حوار مع حكومة نتانياهو على رغم الملاحظات في شأن موقفها من عملية السلام بسبب يمينيتها المفرطة، أو لما تحمله من عبء مواقف المشاركين في الائتلاف. وعلى رغم أن القاهرة حملت مراراً على وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان فإنها منحته الفرصة من البداية. وعندما قال الوزير أحمد أبو الغيط إنه لن يصافحه إذا التقاه في أي مكان، ثم عاد وأشار إلى إمكانية تغيير هذا الموقف إذا اعتذر ليبرمان عن تصريحاته السابقة، خصوصاً تهديداته بضرب السد العالي إذا نشبت حرب مصرية - إسرائيلية، وتصريحه بأن على الرئيس مبارك أن يزور إسرائيل أو «فليذهب إلى الجحيم». ويبدو أن سليمان وهو المختص بالملفات مع إسرائيل، كالأسرى والتهدئة على وجه الخصوص، عمل مقاربة أولية مع حكومة نتانياهو، فالملفات رغم تعثرها لم تغلق بعد، ومصر ما زالت تعمل عليها، وترى أن الوضع ما زال قلقاً في الأرض الفلسطينية من دون إنجاز اتفاق. والمؤكد أن دعوة مصر لنتانياهو ليست اختراقاً لأن نتانياهو سبق له زيارة مصر كما أنه وقّع وهو في الحكم (96-99) اتفاقي الخليل وواي ريفر. في ذلك السياق يمكن فهم تصريحات الرئيس حسني مبارك بأن نتانياهو سيزور مصر في ايار (مايو) بمفرده ولن يصطحب معه وزير خارجيته ليبرمان. وكالعادة استغل الإسرائيليون الزيارة للصيد في ماء عكر، وسريعاً أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أن ليبرمان تلقى بدوره دعوة من سليمان لزيارة مصر، فردت مصر نافية الخبر، وموضحة أن سليمان وجّه فقط الدعوة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية للحضور إلى مصر في توقيت يُتفق عليه قريباً للمزيد من المشاورات. والمؤكد أن مصر الرسمية تدرك حجم الكراهية لإسرائيل في الشارعين المصري والعربي وأن أي تعاطٍ معها ولو على مضض لا يلقى قبولاً شعبياً سواء كان ليبرمان يجلس على مقعد وزير الخارجية أو غيره. ربما كان السبب الذي عجل بالاتصال مع إسرائيل هو الدعوة التي تلقاها مبارك ونتانياهو والرئيس محمود عباس لزيارة واشنطن, لكن يبدو أيضاً أن الموقف من ليبرمان كما هو، وتشير ملامح الصورة إلى أن العلاقات المصرية - الإسرائيلية في مرحلة تحول، وأن هناك إمكانية لممارسة واشنطن ضغوطاً على نتانياهو وهو براغماتي وقابل للضغط، وليس من المستبعد أن يتغير السيناريو عندئذ بخروج ليبرمان بوصفه متشدداً من الحكومة ويكون الحل في «كاديما». وعلى هذا الأساس فإن الحملة على ليبرمان في الإعلام المصري ما زالت مؤثرة وبالتالي فإن التعامل الرسمي معه سيظل حذراً مع ما يحمله ذلك من تأثير على العلاقات المصرية - الإسرائيلية. وربما في حال تحقيق ذلك السيناريو برحيل ليبرمان عن مقعده تحقق القاهرة نصراً يحسب لها ويسجل في رصيدها ليس فقط عند التعاطي مع إسرائيل، ولكن الأهم لدى مصر الشعبية وكذلك على الجانب الآخر حيث المواجهة مع إيران... وحلفائها.