سجلت اللجنة الوطنية اليمنية التي شكلها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في محافظة صعدة (شمال غرب البلاد) خروقات عدة من جانب المتمردين «الحوثيين» لقرار وقف إطلاق النار بعد ساعات على بدء سريانه عند منتصف ليل الخميس - الجمعة. وأكدت ل»الحياة» مصادر قريبة من اللجنة الوطنية المشكلة من 27 عضوا في مجلسي النواب والشورى، وتضم عدداً من النواب والشخصيات المنتمية الى أحزاب المعارضة المنضوية في «اللقاء المشترك»، ان وكيل أول وزارة الداخلية اللواء ركن محمد عبدالله القوسي تعرض لمحاولة اغتيال في منطقة آل عقاب القريبة من ضواحي مدينة صعدة عاصمة المحافظة في كمين نصبه مسلحون «حوثيون»، وقتل فيها جندي واصيب أربعة آخرين من مرافقيه بجروح خطرة. وأضافت المصادر ان اللجنة التي وصل أعضائها مساء الخميس إلى صعدة بطائرات مروحية تابعة للقوات الجوية اليمنية تلقت بلاغاً عن هجوم نفذه «حوثيون» على نقطة عسكرية تابعة للجيش في منطقة العين بصعدة قبل ظهر أمس وقتل فيه أحد جنود النقطة وجرح آخر، فيما لاذ المهاجمون بالفرار. وقالت ان مجاميع مسلحة من أتباع الحوثي حاولت صباح أمس وبعد ساعات من قرار الرئيس صالح وقف العمليات العسكرية وإعلان زعيم التمرد عبد الملك الحوثي الالتزام به من جانبه، مهاجمة معسكر لوحدات الجيش في جبل وهبان وتصدت لهم قوات المعسكر وأجبرتهم على التراجع والفرار بعد اشتباكات استمرت نحو ساعتين. وأشارت المصادر إلى أن اللجنة الوطنية التي توزع أعضائها على اللجان الأربع التي تضمنها الجدول الزمني المتعلق بتنفيذ الشروط الستة للحكومة التي قبلها الحوثي لوقف الحرب تعمل على احتواء خروقات وقف إطلاق النار والتحقق من مصادرها وفرض اتفاق انتهاء الحرب (السادسة) ميدانياً في جميع المحاور والمناطق، بما في ذلك إعادة انتشار وحدات الجيش اليمني على طول الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية والترتيب لإطلاق الأسرى السعوديين واليمنيين المدنيين والعسكريين المحتجزين لدى «الحوثيين» قبل مضي 48 ساعة على وقف إطلاق النار، بحسب ما اشترطت الحكومة ممثلة باللجنة الأمنية العليا التي يرأسها الرئيس علي صالح، والتي تولت إدارة الحرب السادسة في صعدة ضد المتمردين الحوثيين منذ اندلاعها في 11 آب (أغسطس) الماضي وحتى إعلان وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، توزعت ردود فعل الشارع اليمني ازاء تطورات الساعات الأخيرة لحرب صعدة وحرف سفيان بين معارض ومتشائم ومتحفظ ومؤيد لوقف القتال. غير أن غالبية اليمنيين تعتقد بأن الحكومة رضخت لقوة «الحوثيين» وفشلت في القضاء على التمرد بالحسم العسكري الذي التزم الرئيس صالح بتحقيقه في بداية الحرب. ووصف هؤلاء شروط الدولة التي قبلها «الحوثي» بانها تدل الى ضعف الدولة وليس قوتها، وأن قبول زعيم التمرد تكتيك سياسي لاستعادة أنفاسه بعد أن وصل إلى الرمق الأخير تحت ضربات الجيش. وذهب المتشائمون إلى القول بأن الاتفاق على وقف الحرب بعد ستة أشهر على اندلاعها وسقوط آلاف القتلى والجرحى من أبناء اليمن بسببها ونزوح عشرات الآلاف من أبناء محافظتي صعدة وعمران وبعد كل الدمار الذي خلفته هو بالنسبة للدولة اليمنية أفضل اتفاق يحصل عليه «مهزوم». وأبدى هؤلاء في استطلاع أجرته «الحياة» أمس مخاوف من اندلاع حرب سابعة يكون فيها الحوثي أكثر قوة وأكثر قدرة على توسيع نطاقها ليتجاوز محافظتي صعدة وعمران إلى محافظات أخرى بما فيها العاصمة صنعاء. وفيما يرى المتحفظون ضرورة مراقبة تطورات الوضع ميدانياً في الأيام المقبلة قبل إصدار الأحكام والمواقف، يذهب مؤيدو اتفاق وقف النار الى القول أن الحرب طالت أكثر مما يجب، وأن توقفها وإنهائها يوقف نزف الدم اليمني ويخفف على البلد عبئاً كبيراً على مختلف الأصعدة، بالإضافة إلى تجاوز الضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة وإنهاء مآسي المدنيين والتفرغ لبناء ما دمر وإعادة تشغيل عجلة التنمية وتوفير نفقات الحرب التي أنهكت الاقتصاد الوطني. وتمنى مؤيدو وقف الحرب أن يلتزم «الحوثي» تعهداته بإنهاء تمرده وأن تستفيد الحكومة اليمنية من هذه المحنة في اتباع إجراءات حاسمة لبسط سيادة الدولة على كل مناطق القتال وفرض القانون وتنفيذ برامج الثقافة الوطنية ونشر التعليم والخدمات والتصدي لكل مظاهر الفتنة والانفلات الأمني على صعيد محافظة صعدة خصوصاً، واليمن عموماً، لا سيما وأن الحكومة أمام استحقاقات مهمة تتمثل في محاربة تنظيم «القاعدة» داخل الأراضي اليمنية في إطار تعهداتها الإقليمية والدولية والتصدي للجماعات الانفصالية في المحافظات الجنوبية المعروفة ب «الحراك الجنوبي» والتي باتت تشكل تهديداً خطيراً لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، بالإضافة إلى تسوية الأوضاع السياسية مع خصومها ومعارضيها وبما يخفف الاحتقانات والأزمات بين الحكم والمعارضة. ويرى مراقبون ان الحكومة اليمنية باتت ملتزمة بعد مؤتمر لندن الدولي نهاية الشهر الماضي بالمضي قدماً في إجراءات إنهاء الاختلالات الأمنية والحوار مع المعارضة ومحاربة تنظيم «القاعدة» وتحقيق خطوات عملية في برنامج الإصلاحات المالية والإدارية والاقتصادية الشاملة وتعزيز الديموقراطية لكي يمكنها الحصول على مساعدات الدول المانحة وخصوصاً المساعدات الاقتصادية الخليجية والأميركية، والأوروبية التي ستعقد مؤتمراً خاصاً في الرياض نهاية الشهر الحالي يكرس لبحث مساعدة اليمن لمواجهة تحدياته الراهنة بمشاركة الحكومة اليمنية امتداداً لمؤتمر لندن. وأكد هؤلاء المراقبون بأن توصل الحكومة اليمنية إلى اتفاق لوقف الحرب في صعدة مع المتمردين «الحوثيين» يمثل الخطوة الأولى في سياق الوفاء باستحقاقات داخلية وخارجية لإعادة ترتيب الداخل اليمني وتهيئته لمواجهة تحديات البناء والتنمية والإصلاحات الشاملة وإبعاد اليمن عن أي شبهات دولية كمصدر تهديد من قبل عناصر تنظيم «القاعدة» حيث يثير هذا التنظيم مخاوف إقليمية ودولية من تزايد نشاطه الإرهابي في اليمن واستغلاله للأوضاع التي يعيشها هذا البلد لتحويله ملاذاً آمناً ل»الإرهابيين» الفارين من دول الجوار الخليجي وأفغانستان والعراق ومنطلقاً لتهديدات «إرهابية» ضد مصالح دول العالم في هذه المنطقة. يذكر أن الحكومة اليمنية خاضت خمسة حروب قبل الحرب السادسة في صعدة ضد المتمردين «الحوثيين» على نحو ما يلي: الحرب الأولى بدأت في 20 حزيران (يونيو) 2004 وانتهت في 10 ايلول (سبتمبر) 2004 بمقتل الزعيم الأول للحوثيين حسين بن بدر الدين الحوثي في جبال مران. وانطلقت شرارة الحرب الثانية في 19 آذار (مارس) 2005 إلا أنها انتهت سريعاً في 12 نيسان (ابريل) 2005، في حين كانت الحرب الثالثة من أطول الحروب، حيث بدأت في 12 تموز (يوليو) 2005 بعد مناوشات اندلعت بقيادة الشقيق الأصغر لحسين الحوثي، وهو عبد الملك الحوثي، وانتهت في 28 شباط (فبراير) 2006 وذلك لتهيئة مناخات آمنة للانتخابات الرئاسية التي جرت في ايلول (سبتمبر) 2006. وبدأ الحرب الرابعة في 27 كانون الثاني (يناير) 2007 وانتهت بعد أسابيع، حيث تدخلت دولة قطر كوسيط وتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. لكن الوساطة القطرية لم تصمد طويلاً، لتندلع الحرب الخامسة في ايار (مايو) 2008 وتنتهي في 17 تموز (يوليو) 2008 بإعلان الرئيس وقفها في الذكرى الثلاثين لتوليه الحكم في اليمن منذ 1978. أما الحرب السادسة التي تم الاتفاق على وقفها منتصف ليل الخميس - الجمعة، فاندلعت في 11 آب (أغسطس) 2009، وامتدت في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 نحو الحدود مع السعودية التي دخلت طرفاً فيها عندما هاجم الحوثيون الأراضي السعودية وقتلوا وجرحوا عدداً من جنود حرس الحدود السعودي. إلا أن عبد الملك الحوثي اضطر تحت وطأة ضربات الجيش السعودي إلى وقفها مع الرياض والانسحاب من أراضيها في 25 كانون الثاني (يناير) 2010.