ليس مصادفة أن يسمّي جوزف عيساوي برنامجه على قناة «الحرة» «قريب جداً»، فهذا الشاعر والإعلامي، دأب على جعل ضيوفه، من فنانين وكتّاب، تحت «المجهر» أو «على المحك» كما يفيد عنوان كتاب للأديب مارون عبود. ويذكر الجمهور اللبناني كيف أوقف «تلفزيون لبنان» قبل أعوام البرنامج الثقافي الناجح الذي كان يعدّه عيساوي. جوزف عيساوي واحد من الإعلاميين الذين جاؤوا الى الشاشة الصغيرة من الشعر ونجحوا في إضفاء لمستهم الخاصة على العمل التلفزيوني، سواء بما يملكون من ثقافة ومعرفة، أو بما يتحلّون به من نفاذ بصيرة وسرعة خاطر وعمق فهم وسعة صدر. وقد أحدث هؤلاء «حالة» خاصة في الإعلام المرئي الذي يكاد يفقد الكثير من صدقيته ويقع في السطحية. ومع أن برامجهم - كما يقال - لا تثير «شهية» المعلنين، فإن المعنيين بالقنوات الفضائية لم يسعوا الى التخلي عنهم، اعتقاداً منهم أنهم يحققون قدْراً من التوازن الذي تحتاجه القنوات التلفزيونية. وقد أثبتت برامجهم أن الجمهور ليس أمياً ولا سطحياً. لعل ما يميّز جوزف عيساوي وما يجعل برنامجه على شيء من الفرادة، هو الجرأة التي يتسم بها والحرية التي يتنعم بها في تلفزيون «الحرة» والتي يفتقدها كثير من البرامج الثقافية. وهاتان «الفضيلتان» لم تحلاّ على هذا الإعلامي والشاعر من فوق، بل هو نفسه الذي استطاع أن يحصل عليهما. وقد ساعده حتماً تلفزيون «الحرة» غير الخاضع لأي وصاية أخلاقية أو دينية أو طائفية على ترسيخ هاتين، الجرأة والحرية. ويضاف إليهما شخص عيساوي نفسه، هذا الشخص الدؤوب على طرح الأسئلة الشائكة ولكن غير الفضائحية. ويمضي أحياناً في عناده حتى يمسي هذا العناد صلافة أو وقاحة وإنما في معنى الإلحاح والنقاش والمواجهة العميقة. وقد يحسد كثيرون من الإعلاميين جوزف عيساوي على هذه الصلافة اللينة والمطواع وعلى حيّز الحرية الذي يملكه في تلفزيون «الحرة». وفعلاً استطاع عيساوي أن يطرح مع ضيوفه قضايا تعدّ من «المحرّمات» تلفزيونياً. وكان كلّما شعر الضيف بالإحراج، يلح عليه لإخراجه من صمته ودفعه الى الكلام الذي غالباً ما لا يقال. ويشعر المشاهد أن جوزف يطارد في أحيان ضيوفه، مطاردة الندّ للندّ، في نقاش محتدم كثيراً ما يؤتي ثماراً. وكم من مرة أثار عيساوي حفيظة ضيوف حلوا عليه، حتى أن بعضهم بات يتهيب الإطلالة معه في البرنامج. عندما انطلق عيساوي في برنامجه على «الحرة» سعى بعض المثقفين الى مقاطعة هذه القناة تبعاً لهويتها الأميركية، ولكن لم تمضِ سنة حتى راح يستضيف وجوهاً تنتمي الى اليسار العربي. وبرنامجه بات الآن من أشد البرامج جذباً لأهل الثقافة، كما للجمهور النخبوي والعادي. فالبرنامج هذا عرف صاحبه كيف يثير فضول جمهوره من دون أن يتنازل عن الموضوعية.