أثار إعلان إيران البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة تقارب 20 في المئة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاستخدامه في مفاعل البحث الطبي الذي يُنتج نظائر مشعة في طهران، موجة ذعر قوية. وتجدّدت المطالب الداعية إلى فرض عقوبات عليها بهدف إجبارها على وقف برنامجها النووي. لكن، كلّما تلقت إيران التهديدات كلّما أصبحت أكثر تحدياً وكلّما تلاشت إمكانية التوصل إلى اتفاق معها. ويبدو أنّ النزاع الأخير يدور حول كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي تنوي إيران إرساله إلى روسياوفرنسا مقابل الحصول على قضبان الوقود النووي التي ستستخدمها لأغراض طبية، علماً أن هذه القضبان لا تصلح لاستعمالها في صناعة الأسلحة. وبما أن إيران تشكّك بالنيات الغربية، اقترحت إرسال اليورانيوم إلى الخارج على دفعات إلا أنّ المفاوضين الغربيين فضلوا أن يتمّ تسليم ال1200 كيلوغرام من اليورانيوم دفعة واحدة من أجل حرمان إيران من إمكانية بلوغ الدرجة المطلوبة من التخصيب لصناعة الأسلحة. وقد أجرى وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في الأسبوع الماضي محادثات مع المدير الياباني الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو الذي خلف المدير المصري محمد البرادعي. وقد وصف متقي هذه المحادثات ب «الجيدة» فيما دعا أمانو الذي بدا أكثر تردداً إلى «تسريع» وتيرة الحوار مع إيران. تبرز حالياً على الساحة الدولية مواجهة بين ائتلافين متنافسين. يسعى الائتلاف الأول إلى فرض عقوبات أقسى على إيران على أن يلجأ إلى قصف المنشآت النووية في حال لم تجدِ هذه العقوبات نفعاً. أما الائتلاف الثاني فيوصي بإجراء حوار هادئ مع طهران ولا شيء آخر سوى الحوار. يقف الرئيس الأميركي باراك أوباما بين هذين الائتلافين، ويجد صعوبة في التوفيق بينهما. فقد تحوّلت سياسة الحوار التي أطلقها مع إيران في بداية عهده إلى معارضة شديدة للنظام الإسلامي وقناعة على مضض بضرورة فرض عقوبات عليه. ويوجّه هذا الموضوع ضربة قاسية لسياسة أوباما القائمة على التقرّب من العالم العربي والإسلامي. تنتمي إسرائيل وأصدقاؤها المتشددون في الولاياتالمتحدة بامتياز إلى الائتلاف الأول. فهم لم يتوانوا عن الحض على ضرورة القيام بتحرك ضد إيران كما فعلوا للإطاحة بصدام حسين في التسعينات. ويزعمون أن القنبلة الإيرانية قد تفرض خطراً «وجودياً» على إسرائيل، ناهيك عن خطر عالمي. كما أعلن الرئيس شيمون بيريز أخيراً أنه «يجب تجنيد العالم بأسره من أجل محاربة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد»، محاكياً بذلك النبرة العنيفة التي يعتمدها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو عندما يأتي على ذكر إيران. لقد لمّحت إسرائيل مرات عدة أنها قد تلجأ إلى القيام بعمل عسكري بمفردها في حال فشلت الوسائل الديبلوماسية في تقويض طموحات إيران النووية. وبدت فرنسا الأكثر مطالبة من بين البلدان الأوروبية كلّها بفرض عقوبات أقسى على إيران، وهناك أصوات في بريطانيا ليست بعيدة كثيراً عن هذا الموقف. وخلال مثوله أخيراً أمام لجنة التحقيق في شأن الحرب على العراق، أتى توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق غير النادم على أفعاله، على ذكر إيران حوالى 58 مرة. فاعتبر أن ثمة حاجة إلى «التعامل» مع إيران بالطريقة نفسها التي تعامل بها هو والرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن مع العراق عام 2003! يضمّ الائتلاف الذي يؤيّد إجراء حوار مع طهران، الصين وتركيا والبرازيل، وكذلك جيران إيران العرب وإن في شكل شبه إجماعي. فالدول العربية لا ترغب في أن تحظى إيران بالقدرة النووية، إلا أنها تخشى من اندلاع حرب إيرانية - إسرائيلية، الأمر الذي قد يتسبب بعواقب وخيمة على أمن المنطقة واستقرارها وعلى صادرات النفط العربية. تعارض الصين من جهتها، التي تُعتبر شريك إيران التجاري الأبرز، فرض عقوبات عليها ويبدو أنها مستعدة لاستخدام حق الفيتو ضد أي قرار قد يتخذه مجلس الأمن في هذا الصدد. وقد لفت وزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي في باريس خلال الأسبوع الماضي إلى «أن التحدّث عن العقوبات في هذا الوقت كفيل بتعقيد الوضع وقد يقف عثرة في طريق إيجاد حل ديبلوماسي». أما تركيا فقد أيّدت منذ وقت طويل إجراء مفاوضات مع إيران وعارضت بشدّة أي عمل عسكري ضدها، وقد يكون هذا الأمر أحد العوامل التي أدت إلى فتور العلاقات التركية - الإسرائيلية في السنة الماضية. وتؤيّد البرازيل التي تشغل مقعداً غير دائم في مجلس الأمن، إجراء حوار مع طهران. وقد قام أحمدي نجاد بزيارة البرازيل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ومن المتوقع أن يزور الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إيران في شهر أيار (مايو) المقبل. وفي هذا الإطار، حض الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى العرب على أخذ مبادرة للتحدث مع إيران بهدف التوصل معها إلى ترتيب أمني إقليمي. ويبدو أن هذه الفكرة بدأت تلاقي ترحيباً في الأوساط العربية. وفيما تمضي إيران قدماً ببرنامجها النووي، وهو ما يحق لها القيام به لأهداف سلمية بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، من المرجح أن يحتدم النزاع بين الائتلافين. ويبدو أن ثمة ميلاً إلى فرض عقوبات أقسى من السابقة على إيران. وقد يوافق أوباما على تشديد العقوبات على النظام الإيراني إلا أنه لم ينضم بأي شكل من الأشكال إلى صفوف الصقور المطالبين علناً بضرب إيران. والجدير بالذكر أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أشار في باريس خلال الأسبوع الماضي إلى أن «الخيار الوحيد المتبقي أمامنا هو ممارسة الضغوط». كما يظنّ البعض أن أوباما أبلغ إسرائيل بأنّ أي هجوم على إيران قد يضرّ بالمصالح الأميركية. من جهة أخرى، يوجه الموالون لإسرائيل انتقادات لأوباما بأنه يتبع سياسة «الاسترضاء». وفي إطار مؤتمر حول الأمن عُقد في ميونيخ في الأسبوع الماضي، أعلن السيناتور الأميركي جو ليبرمان، وهو رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ: «نحن أمام خيارين، إما فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران من أجل تفعيل الوسائل الديبلوماسية، أو اللجوء إلى عمل عسكري ضدها». وأضاف: «قد تتسبب إيران في حال حيازتها السلاح النووي بفوضى في الشرق الأوسط وبارتفاع في أسعار النفط في العالم وبالقضاء على أي أمل في التوصل إلى حلّ سلمي للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني». غير أن هذه التكهنات لا تمت للحقيقة بصلة. فبدلاً من أن تُحدث القنبلة الإيرانية الفوضى، قد تساهم في فرض الاستقرار في المنطقة وفي وقف تصرّف إسرائيل العدائي ضد الدول المجاورة لها، وهو الأمر الذي لم ينجح العرب في القيام به في العقود الستة الأخيرة. فضلاً عن ذلك، قد تساهم إيران بفضل فرض توازن للقوى مع إسرائيل وبالتالي الحدّ من حرية تصرفها، على تشجيعها على إبرام صفقة سلام مع جيرانها بمن فيهم الفلسطينيين. أما التطوّر الوحيد الكفيل برفع أسعار النفط فهو قيام إسرائيل بشن هجوم على إيران. تشير كافة الدلائل إلى أن الجدل الدائر حول ما يجب فعله إزاء إيران سيستمر من دون أن يتوصّل أي من الطرفين إلى قرار نهائي. فقد تقلب الأحداث التي تحصل داخل إيران الأمور رأساً على عقب. وأمس احتفلت إيران بذكرى قيام الثورة الإسلامية عام 1979. وكان العالم بأسره ينتظر ليرى إذا كانت الاحتجاجات المناهضة للحكومة ستنجح في التأثير في سياسات الجمهورية الإسلامية في المستقبل. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط