لم يعرف أحد غير الأطفال المتشردين مثلهُ، الذين يلتحفون صناديق الورق وينكمشون بأجسادهم الصّغيرة في أحضان جدار المدرسة القديم، وبطبيعة الحال فهو يعرفُ صاحبَ المطعمِ المُسنّ حيثُ يعمل، فتى توصيلِ الطلبات يسكن مدينة يكسوها الثلج أغلب العام، ولا يرتدي سوى معطفٍ ممزقٍ حصل عليه من سلّة القمامة، و قبّعة صنعها من قفاز رجلٍ ضخم وجدهُ مقتولًا أسفل الشارع، قام بشقّ أطرافه السّفلية لكي يستطيع إدخال رأسه فيه، أما الأصابع التي كانت تتدلّى من القفاز أعلى رأسه فكانت تشبهُ العُرُفْ، مما جعلهم يُطلقون عليه لقبَ «الفتى الدّيك»! لم يكن ما يملكه من المال يكفيه لتغيير حذائه المُهترئ بحذاء سميكٍ يقيه برد الأرض المُغطّاة بالثلوج، خصوصاً أنّه لا يملك وسيلةً أخرى لتوصيل الوجباتِ سوى قدميه، وحتّى لا يفقد مصدر رزقه الوحيد، فقد كان يشتري بغالب راتبه البخس الكثير من الماء والمشروبات الغازية، يقوم بتجرّعها أثناء فترة عمله، وعند امتلاءِ مثانته يحبسُ نفسَه عن قضاء حاجته، يتناسى الألم بغناء بعض أناشيد الأطفال القصيرة، إلى أن يشعرَ بأن قدميه أوشكتا على التجمّدِ، ينطوي في زاويةٍ مُنعزلةٍ و يُنزلُ سرواله، يبول على رجليه مانحاً إياهما بعض الدفء، حتّى تُطيقا المشي ويستطيع توصيل طلباتِ بقيّة الزبائن! * من مجموعة قصصية عنوانها «تسير على ظهر غيمة»، التي فازت بجائزة الأمير محمد بن ناصر للتفوق والإبداع.