الحلقات الثلاث الأولى منه كانت بطيئة ولا توحي بأنه عميق، ولكن سرعان ما ينعطف مسار المسلسل التلفزيوني البريطاني «صيفيات هندية» في الحلقات اللاحقة نحو عوالم أكثر اتساعاً من مجرد قصص وعلاقات عاطفية بين المجموعة البريطانية التي جاءت، كما هي عادتها سنوياً ومنذ دخولها الهند، الى منطقة سيملا القريبة من جبال الهملايا، هرباً من حر الصيف في نيودلهي، ومن هناك يستمر المندوب السامي للملكة وموظفيه في إدارة شبه القارة الهندية. من ذلك المكان الذي يسمونه «بريطانيا الصغيرة» يقدم المسلسل طبيعة العلاقة بين المحتل وسكان البلاد الأصليين ولأنه اختار عام 1932 زمناً لأحداثه، فقد راح يربط بين تفاصيل وجودهم هناك وبين الحراك المطالب بالحرية والتخلص من الاستعمار الذي بدأ يتسع بقيادة غاندي وبين السلطة المصغرة التي تمثل مصالح المملكة الأم. تتوزع الأحداث على مدى عشر حلقات بين عائلتين، بريطانية وهندية. الأولى يمثلها رالف ويلين، السكرتير الخاص للمندوب السامي للملكة اللورد ولنغدون، فيما يمثل الشاب الهندي الطموح والراغب في الصعود الى مراتب جيدة في سلم التوظيف البريطاني آفرين دلال، وبينهما سينثيا كوفين صاحبة النادي الخاص بالنخبة الأرستقراطية وراعية مصالح فريق الإدارة الموقت في المنطقة الجبلية الهادئة. واحدة من ميزات المسلسل الأبرز، توجهه نحو مجموعة الأطفال غير الشرعيين والذين يعاملون، فوق نكران آبائهم الإنكليز إياهم، من جانب الهنود كمصدر لجذب الشر في القرى التي يولدون فيها فتراهم يُطردون منها ويعاملون كأطفال منبوذين، فيما أمهاتهم ينزوين بصمت وخوف من ملاحقة البريطانيين. وإلى هذا الجانب، أضاف موضوعات ومشاكل اجتماعية إشكالية تكشف الوجه القبيح لسلطة الاحتلال، التي تعامل الهنود كعبيد ولا تسمح لهم بدخول بيوتهم أو مراكز ترفيههم إلا كخدم، وإذا ما نشأت علاقة عاطفية بين اثنين من الجانبين فسيكتب لها الفشل، لأن المحتل أطَّرها منذ البداية ضمن العلاقات «المحرّمة» غير المسموح بها، تكريساً لثقافة عنصرية وغطرسة «بيضاء»، كما يجسدها المسلسل بشكل مدهش، ما يجعل منه واحداً من بين أفضل المسلسلات التي تناولت الوجود البريطاني في الهند. قصص فرعية توِّجت بقصة مقتل شابة من طبقة «كاست» الأفقر، والمنبوذة حتى من الطبقات الاجتماعية الهندية، حين راحت تقترب من منزل رالف الذي أنجبت منه طفلاً غير شرعي وطالبته بإعلان أبوته له، فقرر تصفيتها بدم بارد وإلصاق التهمة برجل من الطبقة المالكة الهندية التي سمح لها أخيراً بامتلاك أراضٍ. وأخذ مقتل الهندية الفقيرة وتواطؤ الشرطة المحلية مع المحتل وردود الفعل الشعبية ضدها مساحة من العمل. وعرض المسلسل جوانب أخرى من طبيعة المؤسسة البريطانية الحاكمة والمتصارعة في ما بينها على النفوذ. وتظهر شخصية صاحبة النادي سينثيا كوفين (الممثلة البريطانية المعروفة جولي وولترز) كشيطان يدير المؤامرات ويرتب كل شيء من وراء الكواليس لتقوية نفوذها كسيدة متحكمة في القرارات التي يتخذها المندوب السامي للملكة، وعبر تبنيها رالف والعمل على توليه المنصب الأهم بعد تنحي الرجل العجوز. على الجانب الهندي، تبدو عائلة آفرين مصغراً للوضع العام في البلاد، فأخته الكبرى ناشطة في حزب المؤتمر، تخرج وتنظم التظاهرات المناهضة للوجود الإنكليزي، فيما والدها يعيش على أمجاد خدماته السابقة للمحتل، وفي الوسط بينهما يقف ابنه. ويتوقف المسلسل (إنتاج «بي بي سي») طويلاً عند قرار إعدام صاحب الأملاك الهندي بعدما دين بجريمة زوراً، لأنه يعبر عن رغبة دفينة في التراجع عن قرار جاء من بريطانيا لتخفيف الضغط والنقمة الشعبية ضد لندن لمنعها أهل البلاد من شراء الأراضي وبيعها. لكن الإدارة المحلية ورموزها لا يطبقون ذلك، والنادي الخاص يجسد بدوره هذه الرغبة، فدخوله ممنوع على أهل البلد وحتى على الهنود العاملين معهم، وتُذكر رمزيته بحدة التمييز العنصري الذي تمارسه بريطانيا في حق سكان مستعمراتها. وربما هذه من المرات القليلة التي يُلتفت إليها درامياً بعمق ووضوح، وربما لهذا السبب أيضاً يكتسب «صيفيات هندية» أهميته، لأنه أراد مراجعة الحقبة الأخيرة من الوجود البريطاني في الهند من منظور نقدي لما حدث حقاً. وتجسد هذه الوقائع درامياً تلك القرية الصغيرة التي جاء بريطانيون للاستمتاع فيها وإنجاز بعض المعاملات الإدارية المستعجلة، ومع ذلك كانت قسوة هؤلاء وغلاظتهم طاغيتين الى درجة أفرزت معها معارضة من داخلها تمثلت برفض شاب بريطاني نُقل حديثاً الى الهند الظلم الذي أحاط بالهندي المتهم، فحظي لموقفه الشجاع بشعبية بين الهنود أنفسهم. وحتى لا «يجمّل» الصورة، أعاد المسلسل وصاحبه المخرج ديفيد مور للتحالف الطبقي والعنصري قوته، حين أنهى حلقاته بصورة بانورامية تظهر رالف و «الشيطانة» الإنكليزية وهما متجهان صعوداً الى النادي، على رغم ما حصل بينهما من خلافات ظلت سطحية، فمصالحهما أو ما يمثلانه من مصالح عليا أهم من الهنود ومن حياتهم بكثير.