فكر جيداً قبل اتخاذ قرار إطلاق اسم «وديع» على مولودك الجديد، وإلا سيظل ناقماً عليك، متحسراً على حاله. يواجه حامل هذا الاسم هذه الأيام طوفاناً من تعليقات ساخرة ومضايقات مكثفة، فضلاً عن ضحكات مكتومة حال ما يُنادَى عليه ب «وديع» ما يضعه في مواقف محرجة ويزعزع علاقاته مع الأقرباء والأصدقاء والزملاء أو حتى يفقد عمله كما حدث مع «وديع» المصري. لم يتخيل مدرس المرحلة الثانوية في إحدى محافظات مصر «الأستاذ وديع» أن يكون التلفزيون هو سبب نكده وهمه وتخليه عن عمله بعد أن أضحى مربي الأجيال أضحوكة طلابه ومادة للتندر بين زملائه. فهؤلاء يتغامزون بعبارات حملة إعلانات قناة «ميلودي أفلام» التي تحمل اسم «أفلام عربي... أمّ الأجنبي» ذات الشخصيات ذائعة الصيت الآن وهم: «وديع»، «تهامي باشا»، و «مدام» أو «آنسة» رشا. اسم مربي الأجيال لسوء حظه مطابق لاسم أحد ممثلي الحملة الإعلانية الذي يجسد دور مخرج سينمائي. في الإعلان يتبادل تهامي باشا ووديع عبارات أضحت على ألسنة قطاع عريض من مواطني العالم العربي خصوصاً في مصر ك «أيوه كده يا وديع»، و «وديع.. شكلك عاوز تعمل فيلم فيه لحم كتير»، إضافة إلى «فين رشا يا وديع»... وهو ما تلفظ به التلاميذ والزملاء تجاه المدرس «وديع». وحتى عندما زارته زوجته في المدرسة فوجئ بهم يصيحون: «هي دي رشا يا وديع»، «سيب لنا مدام رشا شوية يا وديع» ليكون اسم «وديع» لعنة على حامله وربما يلحق به قريباً جداً اسم «رشا». وفي ظل وجبة السخرية اليومية، لم يطق الأستاذ «وديع» وقع الكلمات على أذنيه خصوصاً أن ذلك الوضع الدراماتيكي امتد للحي الذي يسكن به، لذا قرر عقاب قناة «ميلودي» برفع دعوى قضائية للتعويض عن الضرر المادي والأدبي من تكرار عرض إعلان «وديع». كما طالب بوقف بث الإعلان الذي جعله أحد زوار عيادات الأمراض النفسية بعد أن تقدم بطلب نقل من مدرسته الى أخرى عساه يجد طلاباً وزملاء لا يلقون بالاً لإعلان «وديع». لكن آماله قد تكون أضغاث أحلام، فهل لديه من المال ما يضمن له سكناً جديداً بعيداً من الحي الذي يقطنه وسط جنون أسعار العقارت في مصر؟ وهل يضمن ألا يتعرض للمأساة نفسها في الحي الجديد؟! إذاً، أغلب الظن أن لعنة «وديع» ستظل تطارد الأستاذ «وديع» كظله إلى أن يلقى وجه ربه خصوصاً بعد قرار «ميلودي» بتحويل تلك الحملة الإعلانية إلى سيتكوم. تلك هي أحد النوادر التي ولدت من رحم قنوات «ميلودي» التي تعشق صدم المشاهد بحملات إعلانية تدور في فلك العري والبطولات الزائفة والخروج عن تقاليد المجتمع وأخلاقياته كحملة «ميلودي تتحدى الملل» التي سبقت الحملة الجديدة. صانعو هذا التيار الإعلاني يحيطون أنفسهم بسياج دفاعي ومبررات متكررة مثل «الناس عايز كده» أو «ما نقدمه هو واقع المجتمع»، فضلاً عن «العيب في المجتمع الذي أصبح أكثر انغلاقاً» و «ما نبثه ليس إجبارياً والفرد له الحرية في اختيار ما يناسبه». وإن كان واقع غالبية المجتمع هو من نوعية منتج أفلام هابطة ومخرج منحل يتفوهان بألفاظ غير لائقة وتصدر منهما إيحاءات معظمها جنسية، فأغلب الظن أنه مجتمع وهمي لا وجود له إلا في مخيلة مبتكر الإعلان أو في محيطه فقط، وإن امتنع المشاهد عن الإعلان في بيته كيف له أن يمنع نفسه من مشاهدته في أي مكان آخر؟ واقعة الأستاذ «وديع» تعيد إلى الأذهان بعض العبارات المتداولة خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين عبر مسلسلات وإعلانات تجارية ك «الكبير كبير والنص نص والصغير منعرفوش»، و «انسى يا عمرو»، و «احتكم الأمر وهجوز»، «قلبك قلب خسة»، و «جي رايح منه له» وغيرها كثير. وعلى رغم تناقلها على الألسن، لم تتسبب في قلب حياة إنسان رأساً على عقب أو خرجت عن الأعراف التلفزيونية... محاولة إقناع المشاهد أن أفلاماً سينمائية عالمية حاصلة على جوائز أوسكار عدة ليست أفضل من الأفلام المصرية، بحجة الترويج للفن المصري، ربما يخلق لعنة جديدة لا تقل بؤساً عن لعنة «وديع».